«أشباح بيروت»بعد انطفاء الحرب.. يعود إلى دور العرض الفرنسية

الثورة – أحمد صلال – باريس:

 

بيروت، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يبدو أن الحرب التي اندلعت عام ١٩٧٥ لن تنتهي أبداً، خليل، الذي اختفى قبل عشر سنوات واعتبره جميع أحبائه ميتاً، يعود إلى هذه المدينة التي ترك فيها ماضيه.

أصدقاؤه هم من يجدونه بالصدفة في أحد الشوارع، فيتعرفون عليه بصعوبة، ويجدون صعوبة في تصديق أنه على قيد الحياة.

لم يكن اللقاء مبهجاً للغاية.. الكثير من الألم، والكثير من عدم الفهم في القلوب.

يتناوب فيلم«أشباح بيروت» الذي أخرجه غسان سلهب عام ١٩٩٨، بين سرد عودة هذا الرجل ومقابلات أمام الكاميرا مع الممثلين، الشخصيات حول علاقتهم بالحرب، بعد وقت طويل من انتهائها.

يدعونا المخرج إلى التساؤل عن علاقتنا بالموت، بالمنفى، بالصداقة، بالهوية، إنه يغمرنا في فيلم شامخ، يكاد يكون شبحياً مثل شخصيته، بل ويطرح السؤال عما سيأتي بعد ذلك.

ماذا يبقى بعد الحرب؟

فوق كل شيء، يبقى شبح الحرب قائماً.

إنه حاضرٌ دائماً، كامن، حضورٌ يُطارد اللبنانيين.

أولًا، لأن كل شيء يبدو مجرد تكرار وبداية جديدة: يستخدم المخرج هذا مجازياً عندما يختفي خليل مجدداً في النهاية.

علاوةً على ذلك، انتهت هذه الحرب، التي استمرت خمسة عشر عاماً، بمواجهة، ثمّ هطول مطرٍ بعدها مباشرةً، لا أكثر.

هذه النهاية شبه العبثية تترك حرباً عالقةً في الذاكرة.

“هذه مشكلتنا: نريد أن نبدأ من جديد، أن نولد من جديد، بينما لا نكون أمواتاً حقاً”. يُقدّم غسان سلهب لمحةً عن هذا العبث والكمون في فيلمه، بأنظمة صور بطيئة، وسردٍ مُعلق نوعاً ما، وتفاعلاتٍ ومشاهدَ تُحاكي أحيانًا القصص (على النقيض من قسوة الموضوع)، أو حتى مع تصوير نهاية الحرب كما كانت: غير ملموسة.

تنتهي أحداث الفيلم على هذا المنوال أيضاً: فبينما يخيم قلقٌ شديدٌ على المجموعة مجدداً، تصلهم معلوماتٌ مُطمئنةٌ تُحوّل الموقف إلى سخريةٍ مُضحكة.

وينتهي الفيلم على هذا النحو، بسردٍ مُتقطّع، كما لو كنا نتحدث عن لون السماء.

بين العبث والتكرار، يُجسّد المخرج هذا الشعور بالخمول، مُحيياً شبح الحرب كما هو حاضرٌ في الذاكرة.

“كأننا مبانٍ مهدمة” خلال مقابلة أمام الكاميرا، هذه كلمات أحد الممثلين.

بعد الحرب، ما تبقى هو بقايا ما كانوا عليه سابقاً، لن يعودوا كما كانوا أبداً؛ لقد غيّرت الحرب الأجساد والآمال والتصورات والعلاقات.

يُجسّد خليل هذه القضية: يعود بعد عشر سنوات من المنفى بهوية مزورة، ويحاول إعادة إصدار أوراقه باسمه.

وبينما لا تبدو المهمة سهلة في البداية، ينجح الشخص الذي لجأ إليه في بدء العملية.

لكن نهاية الفيلم تترك هذا السؤال دون إجابة: فهو لا يستعيد اسمه، وربما يروي غسان سلهب (الذي أخرج هذا الفيلم بعد سنوات من المنفى) بعضاً من نفسه أيضاً.

بعد كل هذه السنوات بعيداً عن الوطن، لن يعود أبداً إلى ما كان عليه، ولن يستعيد هويته أبداً.

بعد الحرب، يبقى شبحاً لنفسه، وهذا ما يُلمس أيضاً في الفيلم لأن علاقات الشخصية بأصدقائه تتغير حتماً.

لن يكونوا ساذجين إلى هذا الحد أبداً، ولن يكونوا مرنين إلى هذا الحد أبداًَ.

أخيراً، وربما على نحوٍ أكثر مفاجأة، بعد الحرب، يبقى شبح أحلامهم.

يتحدث العديد من الممثلين عن هذا الشعور بفقدان المعنى بعد الحرب، خلال الحرب، كان من الممكن للمرء أن يُسقط نفسه على ما بعد الحرب؛ لكن نهاية الحرب أشارت بوضوحٍ شديد إلى انهيار هذه الأحلام والتوقعات.

يمكن تفسير هذا الفقدان للمعنى بفكرة أن كل شيء أصبح أكثر واقعية خلال الحرب، وأن الناس كانوا يتمتعون باستقلالية حقيقية. كانوا هم من نظموا أنفسهم للرعاية والتنظيف والتوثيق والمقاومة، كان من الممكن للمرء أن يجد مكانه، وأن يشعر بأنه مفيدٌ بشكلٍ عملي.

مع نهاية الحرب، تولت الحكومة المسؤولية وجردت الناس من قدرتهم على الفعل.

ندرك هذا في الفيلم من خلال آنا، الشخصية النشطة للغاية، التي تقفز إلى قلب الحدث لتصوير الحرب.

تتجلى قدرة الناس على الفعل بشكلٍ أوضح في مشهد وجود مجموعة الأصدقاء في ملجأ خلال القصف الأخير.

نرى أفراداً وجدوا أنفسهم هناك ونظموا أنفسهم لمساعدة ودعم بعضهم البعض، كان كل شيء أبسط خلال الحرب.

كنا نهتم ببعضنا البعض أكثر، الآن، كلٌّ منا يهتم بنفسه.

لذا، يُعيد هذا الفيلم ذكريات تلك الفترة، بدلاً من أن يُخفيها، يُسلّط الضوء على جراح الحرب في لبنان.

يُشير إلى الأشباح التي لا تزال تُطارد اللبنانيين بعد الحرب.

خليل هو تجسيدٌ لهذه الصدمة الكامنة، لا يزال موجوداً، لكنه لن يكون أبداً سوى ظلٍّ لنفسه.

آخر الأخبار
اليونيسف: حياة أكثر من 640 ألف طفل في خطر جراء الكوليرا شمال درافور الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس بديلاً عن إنهاء الفظائع في غزة عون في ذكرى تفجير مرفأ بيروت: الحساب آت لامحالة إجازات الاستيراد أحد الخيارات.. كيف السبيل لطرد البضاعة الرديئة من الأسواق؟ حلب تكثف حملاتها لضبط المخالفات وتنظيم السير محلل اقتصادي لـ"الثورة": الحاجة لقانون يجرم التهرب الضريبي تجهيز بئر الخشابي لسد نقص مياه الشرب بدرعا البلد مشروع دمشق الكبرى مطلب قديم..م.ماهر شاكر: يبدأ من تنمية المدن والمناطق المهملة طرح ثلاثة مشاريع سياحية للاستثمار في درعا "منوّرة يا حلب" تعيد الحياة لشوارع المدينة بعد سنوات من الظلام وسط تفاقم أزمة المواصلات.. أهالي أشرفية صحنايا يطالبون بخط نقل إلى البرامكة معسكر تدريبي في تقانة المعلومات لكافة الاختصاصات من جامعة حمص مستوصف تلحديا بريف حلب يعود للحياة بجهود أهلها.. لا سيارات على طريق القشلة - باب توما بعد صيانته بين المصلحة الوطنية والتحديات الراهنة.. الصبر والدبلوماسية خياران استراتيجيان لسوريا "لعيونك يا حلب" تُنهي أعمال إزالة الأنقاض وجمع القمامة في حي عين التل هل تعود الشركات الاتحادية إلى دورها؟ وزير المالية: نطرق كل الأبواب نحو الإصلاح الاقتصادي العربي بطولات كبيرة قدمها عناصر إطفاء طرطوس "الطوارئ والكوارث" تبدأ رحلة تحسين الاستجابة للحرائق فنادق منسية في وطن جريح..حين يتحوّل النزيل إلى مريض لا سائح ؟! خسارة مضاعفة: مزارعو إدلب الجنوبي يواجهون نتائج اقتلاع الأشجار وندوب الطبيعة