الثورة- عمار النعمة:
في كتابه “النقد واللغة وتاريخ الأدب”، يقدّم الناقد الدكتورعادل فريجات رؤية بانورامية ثرية تغوص في أعماق الأدب العربي، وتستعرض تحولات اللغة والنقد والصورة الفنية في ظل الحداثة والعولمة.
الكتاب، الذي يضم مجموعة من المحاضرات والدراسات، يعكس مسيرة فكرية حافلة شارك فيها فريجات عبر مؤتمرات وملتقيات ثقافية داخل سوريا وخارجها، واضعاً القارئ في قلب الأسئلة الكبرى التي تواجه الثقافة العربية.
في أحد أبحاثه، يتناول فريجات التحول الذي أحدثته الصورة الفنية المتحركة في عصرنا، مشيراً إلى أن التلفاز والسينما والكمبيوتر جعلت من العالم قرية صغيرة، ويقارن بين الصورة الجامدة التي تعود إلى الفن التشكيلي، والصورة المتحركة التي تمثل ثورة معرفية جديدة، تشبه في تأثيرها اكتشاف الكتابة.
كما يشرح مفهوم الحداثة بوصفها مشروعاً غربياً يقوم على العقلانية، نشأ مع الدولة الرأسمالية وصعود البورجوازية. ويستعرض تأثير الحداثة الأوروبية على الأدب العربي، مستشهداً بـ”أزهار الشر” لبودلير، الذي رأى أن الشعر لا يجب أن ينهض بوظائف العلم والأخلاق، بل أن يكون غاية في ذاته، وذلك ما أكده (مالارمييه) التمييز بين السرد الإخباري الذي يختص به النثر والنظم، والنظم الصافي باللغة السامية الذي يؤديه الشعر.
تحدث الدكتور فريجات عن ظاهرة الحداثة القريبة في تاريخ الشعر العربي الحديث، وهي التي يؤرخ النقاد لظهورها بأربعينيات القرن العشرين على أيدي كل من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور ونذير العظمة وجبرا ابراهيم حبرا.
تطرق في كتابه إلى القدس ثقافةً وأدباً، فقسم حديثه عن القدس إلى قسمين: الأول يتناول تسميتها ولمعاً من تاريخها، والثاني يتصل بمظاهر العمران والثقافة والأدب مع وقفات عند من يمثل ذلك من أعلام في القديم والحديث.
يرى فريجات أن العولمة، رغم تنوع أشكالها الاقتصادية والسياسية والثقافية، تنطوي على تهديد للهويات الثقافية، وتسعى إلى تنميط العالم بالنمط الغربي، خاصة الأمريكي، ويستشهد بعالم الاجتماع مارشال ماكلوهان، الذي تنبأ بتحول الحروب إلى حروب تلفازية، وبـ “كوزكينمي” الذي حذر من تفكيك سيادة الدول بفعل الأنشطة العابرة للحدود.
ناقد لمع ثم هوى
يخصص فريجات دراسة مهمة للناقد الفلسطيني أحمد شاكر الكرمي (1894-1927)، الذي برز في الثلث الأول من القرن العشرين، لكنه رحل مبكراً بسبب مرض السل، نشأ الكرمي في أسرة أدبية، وتنقل بين طولكرم والقاهرة ودمشق، حيث عمل في الصحافة وكتب تحت اسم “قدامة”، أسس جريدة “الميزان”، وترك بصمة نقدية رغم قصرعمره، داعياً إلى التركيز على النص الأدبي بعيداً عن صاحبه.
شفيق جبري والمذهب الاتباعي
يرى فريجات أن شفيق جبري جسّد المذهب الاتباعي في الشعر السوري، إلى جانب شعراء مثل الزركلي ومردم والبزم، تأثر جبري بكبار الشعراء كالمتنبي والمعري، وشارك في الحراك الوطني والأدبي منذ شبابه، وكان عضواً في مجمع اللغة العربية منذ عام 1926.