القلق في زمن الأزمات.. حين يختلط الأمان بالخطر

الثورة ـ مها دياب

في لحظات الأزمات الكبرى ينكسر العديد من ركائز الأمان الإنساني، ويظهر القلق كأحد أبرز ردود الفعل النفسية وأكثرها تكراراً وتأثيراً.
ليس مجرد خوف عابر، بل حالة تتفشى لتلامس الجسد والعقل والمشاعر، وتتطلب فهماً دقيقا وآليات دعم فعالة.

ما بعد الكوارث والحروب لا يقتصر الأمر على إعادة بناء البيوت، بل يبدأ أولاً بإعادة ترتيب النفس المثقلة بمشاعر مهددة.. فالخوف هو استجابة نفسية طبيعية لمثير خارجي يهدد سلامة الإنسان، تختفي آثاره بانتهاء الموقف.. أما القلق فهو حالة داخلية مزمنة تنشأ دون مثير مباشر، تظل ترافق الفرد وتؤثر في تفكيره وسلوكياته وجسده، وهو اضطراب يتفاقم بشكل خاص في سياقات الأزمات، وفي هذه اللحظات المقلقة التي تعيشها مجتمعاتنا، تبرز الحاجة لفهم آليات هذا الاضطراب، وتفكيك أبعاده النفسية والسلوكية لتقديم دعم حقيقي للفئات الأكثر عرضة للتأثر، فالقلق لا يقتصر على الألم الداخلي، بل يتعداه ليصبح عائقاً في الدراسة والعمل والعلاقات وحتى في الحلم بالمستقبل.

مبادرة لرفع الوعي

وضمن هذه الرؤية الإنسانية، نظمت مؤسسة كواكب الإبداع التنموية في دمشق دورة تدريبية بعنوان “اضطرابات القلق أوقات الحروب والكوارث”، شارك فيها خمسون طالباً وطالبة من اختصاصات جامعية متعددة، وقدمها المعالج النفسي نضال الكيلاني، بهدف رفع الوعي بمسببات القلق في البيئات الهشة، وتعريف المشاركين بأنواعه وطرائق التخفيف من تأثيراته، ومساعدتهم في بناء أدوات عملية لإدارة مشاعرهم وتقديم الدعم لمن حولهم.

الفروقات النفسية

أوضح د نضال الكيلاني في كلامه أن القلق لا يشبه الخوف، رغم تشابههما في بعض المظاهر، فالخوف استجابة طبيعية ومؤقتة لمثير خارجي، بينما القلق يتولد من مثير داخلي ويستمر بشكل عرضي مزمن.هذه الحالة غالباً ما تتحول إلى عبء جسدي وفيزيولوجي، خاصة في ظل الحروب والكوارث حيث تتفكك الأمانات العاطفية وتضطرب العلاقات الاجتماعية.

الأسباب العميقة وراء اضطراب القلق

وقدم الكيلاني شرحاً حول مصادر القلق التي تتنوع بين البيئة المليئة بالصراعات، واضطرابات النواقل العصبية، والعوامل الوراثية.. وبين أن نقص السيروتونين والأدرينالين يؤثر بشكل مباشر في المزاج والثقة، فيما يسهم ضعف العلاقات الآمنة في الطفولة أو التوترات العاطفية في ترسيخ هشاشة داخلية يصعب تجاوزها لاحقاً.كما لفت إلى دور الأوكسيتوسين في الشعور بالمحبة والأمان، والدوبامين في التحفيز والنجاح، وهما عنصران يضعفان في البيئات المتوترة.

كيف يبدو القلق بين الأعراض النفسية والجسدية؟

أفاد الكيلاني بأن القلق يظهر عبر مؤشرات متعددة تشمل التفكير المفرط، وانخفاض الطاقة، واضطرابات النوم، ونوبات جسدية حادة ناتجة عن التوتر.. كما استعرض الأعراض الثانوية كاضطراب الشهية، وشرود الذهن، والميل إلى الانسحاب الاجتماعي، وتدني الأداء، والأهم تراجع الثقة بالنفس.. وأكد أن استمرار أربع أعراض أو أكثر لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر يستدعي تدخلاً من قبل اختصاصي نفسي.

وحول أشكال اضطرابات القلق في بيئات الأزمات، بين أن اضطرابات القلق تتوزع إلى أنماط متعددة، منها اضطراب الهلع المصحوب بأعراض جسدية حادة كالرجفة وتسرع القلب، والقلق المعمم الذي يتسم بخوف دائم وأفكار مشوشة، والرهاب النوعي المرتبط بأشياء محددة، ورهاب الساح المنتشر في بيئات الحروب خاصة لدى النساء. أيضاً تحدث عن تناول الصمت الانتقائي لدى الأطفال، والرهاب الاجتماعي، وقلق الانفصال الذي يرهق أطراف العلاقة عاطفيا ونفسياً.

مضاعفات نفسية

وفيما يتعلق بالمضاعفات النفسية والسلوكية حين يتراكم الألم، أشار الاختصاصي الكيلاني إلى أن مضاعفات القلق قد تكون خطيرة جداً وتشمل الانتحار، وسلوكيات مؤذية للذات، و قد تتحول لأمراض جسدية كارتفاع الضغط والسكري، أو الميل لتعاطي المخدرات.. وأكد أن القلق غير المعالج قد يتحول إلى اضطراب نفسي مرافق أكثر تعقيداً، وخاصة حين يرتبط بانعدام الأمان السكني أو غياب الدعم المجتمعي.

بناء أدوات المواجهة الذاتية

واستعرض مجموعة من الوسائل الفعالة التي يمكن أن تساعد في مواجهة اضطرابات القلق، منها تبني نمط حياة صحي، وممارسة الرياضة، وبناء علاقات داعمة، وتدوين الأفكار اليومية والنجاحات، والانخراط في التأمل الذاتي وحوار داخلي واعٍ.كما أكد على أهمية طلب المساعدة من متخصص نفسي للتشخيص والمرافقة العلاجية، خاصة حين تتكرر الأعراض دون تفسير منطقي.

النجاة لا تكتمل دون تعاف داخلي

وختم الكيلاني قوله إنه في ظل الحروب والكوارث، تتوجه الأنظار عادة إلى النجاة الجسدية، فيما يظل الألم النفسي في الظل، غير مرئي ولكنه بالغ الأثر.فالقلق ليس مجرد حالة نفسية عابرة، بل هو مؤشر على افتقار الفرد لشبكة الأمان الداخلي، وقدرته على تنظيم مشاعره ومواجهة التحديات.لهذا فإن التعافي الحقيقي لا يتم إلا إذا امتلك الفرد أدوات فهم ذاته، وآليات التنفيس، ومساحات الدعم التي تتيح له الشعور بالأمان. وشدد على أهمية طلب المساعدة النفسية، دون خوف أو خجل، بل اعتبره فعلا شجاعا يعيد رسم العلاقة مع الذات والعالم. فكل إنسان يحمل في داخله صراعات لا ترى، وهو يستحق بيئة تعترف بها وتحتضنها، وترى فيها جوهره الإنساني قبل ظروفه النفسية.

آخر الأخبار
دمج الأطفال بأنشطة حسية ولغوية مشتركة تعزز ثقتهم بأنفسهم     إغلاق مصفاة حمص وتحويل الموقع لمستشفيات ومدارس        لبنان في مرمى العزلة الكاملة.. "حزب الله" يسعى وراء مغامرة وسوريا ستتأثر بالأزمة    وزير الطاقة: تخفيض أسعار المشتقات النفطية لتخفيف الأعباء وتوازن الاستهلاك     الرئيس الشرع: الإدارة الأميركية تتفق مع هذه الرؤية   "مجلس الشيوخ" الأميركي يقرّ اتفاقاً لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد  درعا تعيد صوت الجرس إلى ثلاث مدارس   أميركا تخطط لبناء قاعدة عسكرية ضخمة قرب غزة بقيمة 500 مليون دولار  وسط صمت دولي.. إسرائيل تواصل انتهاكاتها داخل الأراضي السورية بهذه الطريقة  تعاون مرتقب بين "صناعة دمشق" ومنظمة المعونة الفنلندية  "التربية والتعليم" تعزز حضورها الميداني باجتماع موسع في إدلب 80 فناناً وفنانة في مبادرة "السلم الأهلي لأجل وطن"  خسائر بأكثر من سبعة ملايين دولار بسبب فساد في القطاع العام     ترامب يحذر الشرع من إسرائيل:  هل بقيت العقبة الوحيدة أمام سوريا؟   تنفيذ طرق في ريف حلب ب 7 مليارات ليرة  الكهرباء تكتب فصلاً جديداً في ريف دمشق.. واقع يتحسن وآمال تكبر السكك الحديدية السورية.. شريان التنمية في مرحلة الإعمار  بمشاركة سوريّة.. الملك سلمان يتحدث في مؤتمر "من مكة إلى العالم" جودة الخبز ورفع الجاهزية على طاولة التجارة الداخلية  "مهرجان تسوّق حلب".. عودة الألق لسوق الإنتاج الصناعي والزراعي