الثورة – سيرين المصطفى:
عقب سنوات طويلة من النزوح، عاد آلاف المزارعين إلى أراضيهم في ريف إدلب الجنوبي ليصطدموا بمشهد صادم.. بساتينهم التي طالما وفّرت لهم الرزق والظل قد جُرّدت من أشجارها، فقد أقدمت قوات النظام البائد خلال سيطرتها السابقة على المنطقة على اقتلاع الأشجار المثمرة بشكل واسع، لأغراض متعددة، شملت الاتجار بالحطب والانتقام من المواقف المناهضة للأسد، إلى جانب محو الملامح الحياتية من الريف المحرر.
انهيار المعاش اليومي وفقدان مصدر الرزق
قال مزارعون عائدون: إن بساتين الزيتون والتين والفستق، التي ورثوها عن آبائهم واستثمروا فيها لسنوات، كانت تمثل آخر أمل لهم في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، لكن اقتلاعها أجهض هذا الأمل، وزاد من معاناتهم التي تفاقمت خلال النزوح.
واشاروا إلى أن تدمير الأشجار لم يُفقدهم مردودهم السنوي فقط، بل هدّد مستقبلهم الزراعي لعقود قادمة، نظراً لحاجة الأشجار الجديدة إلى سنوات طويلة قبل أن تعود للإنتاج.
تغيّر في المناخ وحرمان من الظلال الطبيعية
ولم تقتصر الأضرار على خسارة المواسم، إذ لاحظ الأهالي تغيرات مناخية ملموسة بعد إزالة الغطاء النباتي، تمثّلت بارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ، وغياب الظلال الطبيعية التي كانت تتيح للناس متنفساً من حرارة الصيف.
كما أفاد مزارعون محليون أن الطقس أصبح أكثر قساوة، ما زاد من صعوبة الحياة اليومية في المناطق الزراعية المكشوفة.
اختفاء المشهد الطبيعي وفقدان هوية الأرض
تحوّل المشهد الريفي الأخضر في إدلب الجنوبية إلى أراضٍ جرداء قاحلة، بعدما كانت المنطقة تعرف بمناظرها الطبيعية الخلابة التي تُعدّ جزءاً من هوية المكان وذاكرته الجمعية.
اليوم، لم يتبقَّ سوى الحزن على بساتين كانت تبهج العين وتمنح الأرض روحاً، بحسب وصف الأهالي الذين تحدثوا عن إحساس بالغربة داخل قراهم بعد أن نُزعت منها ملامحها القديمة.
نداء للإنقاذ وإعادة التشجير
يطالب المزارعون الحكومة والجهات المعنية بإطلاق مشاريع تشجير واسعة، وتقديم الغراس والدعم المادي والفني من أجل إعادة تأهيل الأراضي المنكوبة.
كما دعوا المنظمات الإنسانية إلى المساهمة في هذا الجهد الحيوي، على أمل أن تستعيد المنطقة جزءاً من طبيعتها، وأن تعود المواسم كما كانت مصدراً للرزق والكرامة، ويأمل مزارعو إدلب أن لا تبقى خيبتهم صامتة، وأن يتحول الحزن إلى فعل، يعيد للأرض خضرتها وللسكان بعضاً من استقرارهم المفقود.