فنادق النجمتين والثلاث نجمات في دمشق، استثمار في الظل وتحديات لا تنتهي، ضعف البنية، غياب السائح الأجنبي، ومبادرات فردية تحاول إنقاذ الاستثمار السياحي – الاقتصادي.
في ساحة المرجة بدمشق، حيث الشوارع تمتلئ بالحركة، وتختلط رائحة التاريخ بنبض الحياة اليومية، تقف عشرات الفنادق العتيقة المصنفة من فئة النجمتين والثلاث نجمات، شاهدة على تقلبات الزمن وتحولات العاصمة، صامتة تواصل عملها بصبر رغم ما يحيط بها من تحديات.
هي فنادق لا تُسلَّط عليها الأضواء، ولا تحظى بالدعم الذي قد يحفظ بقاءها، لكن جدرانها تروي قصص مسافرين، ومرضى، وتجار، وسياح عبروا من هنا ذات يوم، قبل أن تنحسر الموجة السياحية ويبدأ الصراع اليومي من أجل البقاء.
فنادق المرجة ليست مجرد غرف للإقامة، بل هي جزء من ذاكرة دمشق التجارية والسياحية، ورغم قيمتها التاريخية وموقعها الحيوي وسط المدينة، تعاني هذه المنشآت من مشكلات متراكمة.
في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وغياب السائح الأجنبي، وتضاؤل إمكانيات التحديث، يحاول أصحاب هذه الفنادق الصمود في سوقٍ يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ما الذي يدفعهم للاستمرار؟ وكيف يرون مستقبل السياحة في سوريا؟ هذا التحقيق يرصد واقع الفنادق الاقتصادية والمتوسطة في دمشق، من خلال لقاءات مع مستثمرين ومديرين لنقدم صورة حيّة عن نمط سياحي مهمش، لكنه حيوي وأساسي في الدورة الاقتصادية للمدينة.
للعلاج لا للسياحة
في حديثه معنا، يفتح الأستاذ رسلان قربي، مدير فندق قرطاجة، أبواب المعاناة اليومية لفنادق التصنيف المتوسط (نجمتين أو ثلاث)، التي لم تمسّها خطط الدعم أو التطوير منذ سنوات الحرب الطويلة:”لا يوجد لدينا سائح بالمعنى الحقيقي، الغالبية من الداخل السوري، من المحافظات الشرقية غالباً، جاؤوا لإنجاز معاملة، أو إجراء عملية جراحية، وليس بدافع السياحة.
يقول قربي بلهجة تنضح بالتعب
هذا النمط لا يساعد الفندق على الاستمرار، ناهيك عن التطوير.
نسبة إشغال لا تكفي
أما الزوار من خارج البلاد، فلا تتجاوز نسبتهم بحسب قربي 4%، وغالبيتهم من لبنان، العراق، أو الأردن، وأيضاً لأسباب غير سياحية”.
هذه النسبة الضئيلة تكشف عن غياب استراتيجية جذب سياحي واضحة، وخاصة بعد عقد ونصف من الحرب والأزمات المتلاحقة.
ويضيف: “لو أن لديّ 20 نزيلاً من الداخل، و20 آخرين من الخارج، يمكن للفندق أن يقف على قدميه مجدداً، لكن هذا مستحيل دون تحريك العجلة السياحية على المستوى الوطني…”.
نحتاج خطة
ويتابع: “منذ 15 عاماً لم نتمكن من تجديد الفندق كما يجب، الحرب أنهكت الجميع، والدخل محدود جداً.
السياحة ليست رفاهية، بل ضرورة اقتصادية للنهوض مجدداً.”يختم رسلان قربي مدير فندق قرطاج حديثه بنداء مباشر وصريح إلى الجهات المسؤولة: “نحتاج إلى خطة وطنية جدية للنهوض بالسياحة، وزارة السياحة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بدعم الفنادق المتوسطة، وتحريك التسويق السياحي داخلياً وخارجياً.. سوريا مليئة بالمواقع المذهلة، لكن دون تخطيط حقيقي، لن يأتي السائح، ولن تتعافى فنادقنا”.
فنادق بلا سائحين
أيضاً هناك مشكلات مستمرة في الكهرباء والمياه، حيث تعتمد المنشآت على الطاقة الشمسية لكنها غير كافية، إضافة إلى غلاء أسعار البطاريات والألواح الشمسية التي تجعل تشغيل المكيفات مكلفًا جداً.
أما الأسعار، فهي متدنية نسبيًا مقارنة مع السوق الإقليمية، حيث تبلغ أجرة الغرفة حوالي 200 ألف ليرة سورية (نحو 20 دولاراً)، وهو رقم لا يغطي التكلفة الحقيقية للتشغيل في ظل موجة الغلاء.
بين التراث والقيود التنظيمية
ويشير د. الدواليبي إلى أن معظم النزلاء الحاليين هم من المرضى الذين يأتون للعلاج أو لإنجاز معاملات رسمية، وليس للسياحة الترفيهية.
مقترحات لتطوير السياحة
أولاً: تحسين البنى التحتية، خصوصًا الكهرباء والمياه، وضمان استقرارها لفترة أطول.
ثانياً: رفع الوعي السياحي بين السكان المحليين لخلق بيئة أكثر احترامًا للمنشآت الفندقية.
ثالثاً: تسهيل إجراءات ترميم وتجديد الفنادق القديمة مع الحفاظ على التراث.
رابعاً: إطلاق حملات تسويق قوية للسياحة الداخلية والخارجية، والتركيز على جذب السياح العرب من دول الجوار.
خامساً: تحسين المظهر العام للمدن، بما يشمل النظافة، تنظيم الطرقات، وتوفير بيئة آمنة ومرحبة للسائح.
سادساً: تقديم تسهيلات للسائحين بما يخص الإجراءات الإدارية والضرائب، خصوصًا للمرضى القادمين للعلاج.
سابعاً: دعم مبادرات النظافة والتجميل المحلية التي تطلقها إدارات الفنادق في مناطقها.

آفاق مستقبلية
ومع الاعتراف بأن فنادق النجمتين والثلاث نجمات في دمشق تواجه تحديات كبيرة على عدة مستويات، لكنها تظل ركيزة أساسية في قطاع السياحة السورية.
قصة الفنادق التي زرناها مرآة لما تعانيه عشرات المنشآت السياحية السورية اليوم، حيث النزيل لا يأتي متأملًا قضاء عطلة، بل باحثًا عن سرير مؤقت ومكان انتظار.إن تعافي هذا القطاع لا يمر فقط عبر الدعم المالي، بل من خلال رؤية وطنية تنقل الفنادق من حالة البقاء الهيكلي إلى دينامية اقتصادية قائمة على التخطيط، والتسويق، والانفتاح التدريجي.
بيانات
السائح الأجنبي يمثل أقل من 5% من إجمالي نزلاء هذه الفنادق، نتيجة للظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة.
تكاليف التشغيل في هذه الفنادق ارتفعت بنسبة تتراوح بين 30% – 50% خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود وقطع الغيار، ما أثر على القدرة التنافسية.
الطاقة الشمسية تُستخدم في حوالي 40% من هذه الفنادق كحل بديل، لكنها لا تغطي سوى 30 – 50% من احتياجات الطاقة، بسبب غلاء البطاريات والألواح.