الثورة – منهل إبراهيم
سعت الإدارة السورية الجديدة منذ استلامها زمام الأمور في سوريا، إلى وضع خارطة طريق عملية وواضحة وسلسة، ترتكز على تحقيق توازن بين المصلحة الوطنية والمصالح الإقليمية والدولية.
ومن باب الضرورة الاستراتيجية والمصلحة الوطنية تتجنب الحكومة السورية أي حالة صدام، أو توتر تنتج تربة خصبة للتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، وتمكنت سوريا من تحقيق توازن في علاقاتها مع محيطها العربي والدولي ما نتج عن ذلك استثمارات وتنافس، وتجاوب إقليمي تجاه التحول التاريخي الذي شهدته سوريا نحو المستقبل والبناء وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية الشاملة.
وقد أعلنت المملكة العربية السعودية عن نيتها استثمار 15 مليار دولار في سوريا، ما يعكس تغيراً في موازين القوى الإقليمية، ورسالة إضافية لتعزيز حضور الرياض الداعم لدمشق التي تقنع العالم بدبلوماسيتها وسياستها الجديدة.
واستطاع وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني خوض مواجهة دبلوماسية كبيرة وإيصال رسائل مهمة عن معاناة الشعب السوري نتيجة العقوبات التي فرضت عليه في العقود الماضية، وما سببته من عرقلة للاستقرار والتمكين الاقتصادي، وتأثيرها السلبي على فرص إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، بعد سقوط النظام السابق.
ومع كل ذلك توالت الأحداث التي تنغص على الدولة السورية المضي قدماً على طريق التعافي والعودة إلى المسار الصحيح، وشهدت الأشهر الماضية تطورات حساسة، خصوصاً ما جرى ويجري من أحداث في السويداء، نتيجة تدخل الكيان الصهيوني الذي يسعى لتحقيق مكتسبات جيوسياسية من ورائها، تحت مسمى “الحماية الإنسانية”، وفي حقيقة الأمر يبدو أن أهداف الاحتلال الإسرائيلي متعددة، حيث يبحث عن مبرر لتوسيعها في سوريا والمنطقة.
ويبدو أن إسرائيل لا تريد الصدام مع سوريا فحسب، بل يرشح من تحركاتها الاستفزازية نوايا أوسع للصدام مع دول عديدة في المنطقة، وخارجها، وباتت أقرب الدول الداعمة لإسرائيل غير قادرة على تحمل تبعات التصعيد الإسرائيلي ونوايا العدوان، وسلوكيات التوسع وتبريرات الانتهاكات والتوغلات المجافية والمخالفة للقرارات الدولية.ومع إدراك الحكومة السورية أن الصبر والدبلوماسية هما الطريقان الأمثل والأنجع لحل الأزمات بديناميكية عالية، بعيدا عن الحروب والصراعات، يسارع الاحتلال الإسرائيلي لاستنتاجات سلبية، ويرسل رسائل كذلك سلبية، وهذا بات معروفاً بشكل واضح للإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب، ومبعوثه إلى سوريا توماس باراك.
وقد طرح العديد من إشارات الاستفهام حول سلوكيات إسرائيل وحروبها في المنطقة ومن بينها ما لفتت إليه صحيفة “نويه تسورخير تسايتونغ” السويسرية في مقال تحليلي بإثارة تساؤلات أخلاقية حول العقيدة الأمنية الإسرائيلية الجديدة، التي تضع الأمن في موقع الأولوية وتشتق منه القواعد الأخلاقية، لا العكس: “هل يجوز لدولة أن تتصرف بشكل استباقي رغم غياب تهديد مباشر”؟ وتربط الصحيفة السويسرية هذا التحول بالتغير في المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث تهيمن قوى يمينية ودينية متشددة على الحكومة.
من جهتها الولايات المتحدة الأميركية ومن خلال امتعاضها من هذا الصلف والفكر والتعنت الإسرائيلي باتت في أقصى درجات النفور من الحكومة الإسرائيلية التي يقودها بنيامين نتنياهو، ويظهر ذلك جلياً في تصريحات الرئيس ترامب وبعض المسؤولين الأميركيين، والغربيين، خصوصاً مع تصاعد حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة بطريقة لم يشهدها التاريخ على مر العصور.
ولاشك أن المستقبل القريب لسوريا وللمنطقة يحمل في طياته تحديات كبيرة ومعقدة، ولكن من باب عدم الغوص في السوداوية واليأس فإنه يحمل أيضاً مساحات واسعة من التفاؤل وفرصاً للتعاون والتوازن في العلاقات على مستوى العالم، ويستدعي من كل الأطراف الدولية الفاعلة والمعنية بقضايا الأمن والاستقرار والسلام، التحلي بالموضوعية والحيادية في التعامل مع التحديات والتداعيات التي تخيم على كامل المنطقة الشرق أوسطية، والعالم ككل.