المحميات البحرية بلا حماية..! وأربع مُقترحَة.. مع وقف التنفيذ

الثورة – تحقيق سنان سوادي:

بسبب التعديات المتكررة على المخزونات السمكية من قبل ممارسي حرفة الصيد، وعدم القدرة على ضبطها، من (الديناميت، السموم، استخدام شباك صيد ذات أقطار أصغر من الحد المسموح الصيد به في فترات التكاثر)، بالإضافة للنشاطات البشرية الأخرى، أصبحت المحميات البحرية حاجة وضرورة لحماية التنوع الحيوي، والثروة البحرية، وتقديم الخدمات البيئية. فماذا عن واقع المحميات الطبيعية البحرية في سوريا، وهل هي تجربة ناجحة أم فاشلة؟، وماهي الفوائد الاقتصادية والصحية والبيئية من وجودها؟ وما هو رأي اصحاب العلم والاختصاص؟. كل هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها في هذا التحقيق الصحفي.

خزان الأسماك

رئيس جمعية الصيادين في اللاذقية نبيل فحام قال لصحيفة الثورة: تعد المحمية خزان الأسماك الذي يحافظ على الثروة السمكية ويرفد السوق المحلية بمختلف الأنواع. وبيّن أن هناك محمية واحدة، هي محمية “ابن هاني” وخلال السنوات الأولى من إعلانها محمية طبيعية كان هناك اهتمام ورعاية من قبل الدولة ومنع الصيد داخلها، وباعتبار المحمية منطقة مفتوحة يستطيع السمك الدخول إليها والخروج منها، لذلك توفر السمك بكثرة وتم رفد السوق بمختلف أنواع الأسماك (السرغوس، المنوري، واللقز الصخري.. الخ) ، لكن الاهتمام بها توقف بعد عدة سنوات، وعاد الصيد الجائر داخلها، وحالياً تعتبر محمية “ابن هاني” محمية بالاسم فقط. وأضاف فحام: نطالب بإعادة الاهتمام بالمحمية ورعايتها، وإقامة محميات جديدة تبعد عن الشاطئ حوالي 250 متراً كي يستطيع الصياد العمل على حدودها، كون الرصيف القاري قريب في أغلب المياه السورية. وأوضح فحام أن كل دول العالم تحتوي على محميات طبيعية، ووجودها ضرورة وحاجة للثروة السمكية والاقتصاد الوطني، ويجب بث التوعية بين الصيادين والمواطنين من خلال البرامج والنشرات، وعبر وسائل الإعلام حول أهمية المحمية في الحفاظ على الثروة السمكية والتنوع الحيوي والبيئي الموجود، فالمحميات من الأفكار الرائدة والخلاقة في حماية الأسماك والتنوع الحيوي.

أهمية المحميات البحرية

من جهته، عرّف رئيس الجمعية العلمية السورية للطب التكميلي والتجانسي والتغذية، الدكتور شادي خطيب- المحميات الطبيعية البحرية، أنها مساحات بحرية تُحدد وتُدار لحماية النظم البيئية البحرية، الكائنات المائية، والتنوع الحيوي. وتعد هذه المحميات أداة استراتيجية لمواجهة التحديات البيئية العالمية مثل تغيّر المناخ، الصيد الجائر، وتلوث البحار. وبين د. خطيب أن المحميات البحرية تساهم في حماية التنوع البيولوجي، فهي تعتبر ملاذات آمنة للأنواع البحرية المهددة، وتساعد على استعادة التوازن البيئي في المناطق المتدهورة، وضمان الأمن الغذائي من خلال الحفاظ على أنواع الأسماك وتكاثرها في بيئات طبيعية محمية، وتوفر مخزوناً مستداماً للثروة السمكية، وتعد مصدراً محتملاً للأدوية، كونها تحتوي على أنواع نادرة من الكائنات البحرية والنباتات التي تُستخدم في أبحاث تطوير الأدوية، مثل مضادات السرطان والمضادات الحيوية. وتعمل على مكافحة التغير المناخي كون بعض النظم البيئية البحرية، مثل غابات الأعشاب البحرية، والشعاب المرجانية، تمتص ثاني أكسيد الكربون وتقلل من آثاره على البيئة.

وعن الأنواع البحرية التي تنمو داخل المحمية، قال د. خطيب: تحتوي المحمية على أنواع مختلفة من الأسماك مثل (التونة زرقاء الزعانف، الهامور، سمك النهاش، والقرش الرملي)، بالإضافة إلى الكائنات غير الفقارية (الأخطبوط، القشريات، والمحار العملاق)، والنباتات والأعشاب البحرية، مثل “Zostera marina” التي تلعب دوراً في تنقية المياه وتوفير المأوى، والطحالب البحرية مثل (الفوقس البحري) التي تعتبر مصدراً محتملاً للأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل.

محميات عالمية ناجحة

وأوضح د. خطيب أنه عند تصميم المحمية يجب أن تُراعى عدة عوامل، أهمها التنوع البيئي، بحيث تغطي مناطق ذات أنظمة بيئية متنوعة، والحجم المناسب لضمان فعالية الحماية وتكاثر الأنواع، والمناطق العازلة للحد من التداخل البشري، وأن تكون هناك إدارة فعّالة بالتعاون مع المجتمعات المحلية والصيادين.

ولفت د. خطيب إلى وجود محميات عالمية ناجحة مثل “Great Barrier Reef Marine Park” في أستراليا والتي تعد أكبر محمية بحرية في العالم، تحوي آلاف الأنواع وتُدار بنظام دقيق للمراقبة والحماية، و”Papahānaumokuākea Marine National Monument” في هاواي والتي تصنف منطقة تراث عالمي، وتحتوي على أنواع فريدة من الكائنات البحرية والشعاب المرجانية، و “Red Sea Project” في السعودية وتعد نموذجاً حديثاً للمحميات المتكاملة بيئياً، واقتصادياً، تشمل شعاباً مرجانية نادرة وأعشاباً بحرية.وأشار د.خطيب إلى أن الكائنات البحرية تحتوي على مركبات فعالة مضادة للبكتيريا، وللسرطان، ومضادة للفيروسات، وتستخدم الطحالب البحرية في تصنيع مستحضرات صيدلانية وتجميلية. ويعد الإسفنج البحري مصدراً هاما لمركبات- تحت الدراسة- في علاج الأورام. وختم د. خطيب حديثه بالقول: المحميات البحرية ليست مجرد مناطق مغلقة، بل هي استثمار في المستقبل، فهي تحفظ كنوزاً بيولوجية لا تقدر بثمن، وتؤسس لبحار أكثر صحة، واقتصادات أكثر استدامة، وعلوم طبية أكثر تقدماً، والحفاظ عليها مسؤولية جماعية وضرورة ملحة في عصر التغيرات البيئية المتسارعة.

محمية من دون خطة إدارية

بدورها، الباحثة في مجال تحليل ونمذجة النظم الإيكولوجية- ديناميكية تجمعات الأحياء البحرية في المعهد العالي للبحوث البحرية الدكتورة شيرين حسين قالت: يحتضن الساحل السوري محمية بحرية واحدة مُعلنة تمارس عملها على أرض الواقع هي محمية “فنار ابن هاني”، ولكنها تفتقر إلى خطة إدارية، وغياب التصنيف، وبالتالي غياب الأهداف العلمية الصحيحة التي من أجلها وجدت المحمية مما يقود إلى الضبابية في برنامج عمل المحمية وتنفيذ الحماية على أرض الواقع، وإلى جانب هذه المحمية المعلنة يوجد محمية بحرية تم اقتراحها في عام 2008 محمية (رأس البسيط ـ أم الطيور) ووضع خطة إدارية لها وبرنامج عمل المحمية كمحمية للإنسان والمحيط الحيوي، لكنها لم تعلن بعد كمحمية قائمة على أرض الواقع.

محمية ابن هاني

وأضافت: تم إنشاء محمية “ابن هاني” بموجب القرار رقم 23/ت عام 2000 تحت إشراف وزارة الزراعة / الهيئة العامة للثروة السمكية. وتمتد المحمية من اللسان البحري المجاور للمعهد العالي للبحوث البحرية إلى مقابل فنار ابن هاني بامتداد نحو 2,5 كم وعرض 1,5 كم في عمق البحر وبمساحة تقريبية 1000 هكتار، وتقع المحمية بجوار منطقة أثرية مما يجعلها تتمتع بحماية قانونية مضاعفة، وتمتلك خمس جونات وجزيرتين صغيرتين، والطبيعة الصخرية هي الغالبة للشواطئ شمال المحمية، مع وجود مساحات رملية وحصوية محجرة في جنوبها وتعتبر هذه المنطقة مركز جذب للنشاطات السياحية. وبينت د. حسين أنه يتوطن في المحمية عدد لا بأس به من الأنواع السمكية، ولكن من خلال جولتنا الحقلية وملاحظتنا العيانية، تمت ملاحظة سيطرة واضحة للأفراد الصغيرة في المحمية، ذلك يدل بوضوح على التدهور في حال مخزونات الأنواع السمكية فيها، مما يتطلب إجراءات فعالة وأكثر صرامة في الحماية.

أربع محميات مقترحة

وأوضحت د. حسين أنه وبسبب الاستنزاف الواضح للمخزونات السمكية في سوريا، أصبح من الضروري زيادة عدد المحميات البحرية ومساحاتها، بحيث تفي بالحاجة من جهة، وبالتزامات سوريا تجاه الاتفاقيات الدولية التي تنص على ضرورة حماية ما يقارب 10 بالمئة من المياه البحرية بحلول عام 2030 من جهة أخرى، لذلك قام فريق البحث في قسم الثروة السمكية في المعهد العالي للبحوث البحرية بإجراء سبر ميداني للساحل السوري، بدءاً من منطقة السمرا شمالاً حتى منطقة الشيخ جابر على الحدود السورية اللبنانية جنوباً، وشمل السبر طبيعة المكان وبعده عن التدخلات البشرية والتعارض مع النشاطات المختلفة.

وتم اقتراح إقامة أربع محميات بحرية إلى جانب المحمية البحرية الوحيدة المعلنة سابقاً وهذه المحميات هي: منطقة “السمرا” كمحمية الحياة البحرية، ومحمية “رأس البسيط – أم الطيور”، و”جون جبلة”، و”جنوب عمريت” كمحميات ” الإنسان والمحيط الحيوي” على أن تخصص محمية رأس ابن هاني المعلنة كمنطقة حماية صارمة للأبحاث البحرية، وذلك بحكم موقعها الجغرافي بجوار المعهد العالي للبحوث البحرية.

خطة إدارية

وأكدت د. حسين على ضرورة وضع خطة إدارية لمحمية “فنار ابن هاني” لمراقبة التغيرات البيئية الحيوية، وتكون مفتوحة فقط للبحث العلمي، ليتمكن الطاقم الإداري والفني للمحمية من تطبيق نظام محدد وهادف للحماية، إضافة إلى اقتراح بعض المناطق ذات الحماية الخاصة التي تتضمن حماية السلاحف البحرية، ومواطن الفقمة المتوسطية، ومواطن الحيتان والدلافين، كما تم اقتراح إعلان محميات الأراضي الرطبة في كل من “رامة لحّا” و”حوض نهر السن”.

آخر الأخبار
سورية وإندونيسيا.. شراكة رياضية تنطلق بثقة تعاون مع اليابان في مجالي الإنذار المبكر والرصد الزلزالي مهرجان التحرير الأول يضيء سماء طرطوس.. وعروض فنية ورياضية مبهرة  عودة أكثر من 120 أسرة إلى قرية ديمو بريف حماة الغربي ضوابط القيد والقبول في الصف الأول الثانوي للعام الدراسي القادم نضال الشعار  .. الوزير الذي ربط الجامعات بالوزارات؛ والناس بالاقتصاد   "عمال درعا".. يطالب بتثبيت العمال المؤقتين وإعادة المفصولين  عناية مميزة بقطاع الخيول في حلب الشيباني: العلاقة مع كرواتيا ستكون متعددة الجوانب.. غرليتش رادمان: ندعم استقرار سوريا "ساهم".. تعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة في إعزاز  طرطوس تكرّم متفوقيها في الشهادتين  بنزين ومازوت سوريا.. ضعف العالمي وأغلى من دول الجوار  نائب أميركي: حكومة نتنياهو "خرجت عن السيطرة" بعد هجوم الدوحة السعودية:الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا انتهاك للقانون الدولي "أهلاً يا مدرستي".. تهيئة الأطفال للعام الدراسي مباحثات استثمارية بين سوريا وغرفة التجارة الأميركية "المعلم المبدع".. في درعا إدانات دولية متصاعدة للعدوان الإسرائيلي على قطر: تهديد للأمن الإقليمي "الشمول المالي الرقمي".. شراكة المصارف والتكنولوجيا من أجل اقتصاد واعد الشيباني يستقبل وزير الخارجية الكرواتي