تراجع إنتاج الحمضيات في اللاذقية يهدد بكارثة اقتصادية وزراعية  

الثورة- تحقيق سهى درويش:

انخفاض إنتاج الحمضيات هذا الموسم يدق ناقوس الخطر بخروجه من المحاصيل الاستراتيجية لمزارعي محافظة اللاذقية التي تُوسَم ببحرها وليمونها، هذا الانخفاض جاء نتيجة عوامل متعددة، كان أبرزها الجفاف وعدم السقاية.

في هذا التحقيق نتابع واقع زراعة الحمضيات في الساحل، والمطلوب للنهوض بها.

دون النصف!

كثيرون من مزارعي الساحل قاموا باقتلاع مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالحمضيات واستبدلوها بمحاصيل ذات مردود اقتصادي أعلى.

هذا الأمر هو إنذار بتراجع هذا المحصول الذي يعد من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الزراعي في اللاذقية، حيث تعتبر الحمضيات في الساحل السوري من أهم المحاصيل التي ساهم في زراعتها المناخ المعتدل الملائم لزراعة أصناف الحمضيات المتنوعة مثل: البرتقال، الليمون، واليوسفي وغيرها من الأصناف، إضافة للقيمة الاقتصادية للمزارعين وتوفير فرص العمل بتنشيط حركة البيع للأسواق المحلية والتصدير للأسواق الخارجية.

والسؤال: ماهي الأسباب المؤدية لتراجع إنتاج محصول الحمضيات لهذا العام إلى أكثر من النصف؟ وماهي الحلول الممكنة لعودة هذا المحصول إلى عصره الذهبي، والاستفادة القصوى منه.

رئيس لجنة الحمضيات في سوق الهال حافظ رجب، قال في حديث خاص لـ”الثورة”: إن لجنة الحمضيات قدّرت المحصول لهذا الموسم بنحو ٢٥٠ إلى ٣٠٠ ألف طن، بينما وصل في المواسم السابقة إلى أكثر من ٦٠٠ ألف طن.

أسباب الانخفاض

عزا رجب أسباب انخفاض الإنتاج لهذا الموسم مقارنة بالمواسم السابقة، إلى الجفاف، وعدم السقاية.

وأضاف: الموسم في منطقة دمسرخو جيّد بسبب المياه الجوفية المتوفرة، أما القطاع الشمالي من المحافظة كالجنديرية، فهذا الموسم عانى من عدم السقاية والري، بسبب تعطل محطات الري.

وعن استعدادات السوق لهذا الموسم، أكّد رئيس اللجنة تجّهيز ساحات الحمضيات بالسوق ومداخلها ومخارجها لاستقبال الموسم، حيث يستمر الدوام من 10 صباحاً إلى 6 مساءً، كما تم التأكّد من القبان.

وبيّن رجب أنه، نتيجة قلة الإنتاج، فإن أسعار الحمضيات، خلال هذه الفترة مرتفعة، حيث يصل سعر الليمون من 8 الى 11 ألف للماير والأميركي، وأبو صرة من 8 إلى 10 آلاف، والهجين من 5 Yلى 8 آلاف ليرة.

أما الكرمنتينا الفرنسية فيصل ثمن الكلغ من 5 إلى 7 آلاف ليرة، وأكّد رجب أن أغلب التسوّيق يتم في المحافظات، والبضاعة حالياً لا تناسب التصدير.

ولفت رئيس اللجنة إلى التسهيلات المتوفرة في السوق لهذا العام، مقارنة بالأعوام السابقة، وتحديداً لتوفر المحروقات، حيث توجد كازية للمازوت والبنزين، ويتم تصنيع عبوات تعبئة المحروقات في منطقة الصناعة، جانب سوق الهال، وسعرها أرخص من العام الماضي، كما تم تحديث السوق وتأمين جميع المستلزمات لتذليل الصعوبات.

وختم رجب بضرورة العمل على بناء معمل للعصائر، حيث في كل عام ينتج لدينا من الفرز والمشاغل والسوق والبضاعة الكثير مما يمكن ان يُستثمر في معمل عصائر، ليس فقط للحمضيات، بل لكافة الفواكه التي يمكن عصرها وتصنيعها، وبالتالي يحقق ذلك قيمة اقتصادية مضافة، وفائدة للمزارعين والمصنعيّن.

الجودة والتصدير

وللوقوف عند الاستعدادات لتصدير الحمضيات لهذا العام ، أوضح “باسم غدير “، أحد أصحاب الشماعات لـ”الثورة ” بأن التصدير لهذا الموسم قد يكون قليلاً بسبب الجفاف، وانخفاض الإنتاج.

ونوّه إلى أن الجودة يجب أن تكون عالية للمنافسة، فهو يملك شماعة واحدة وبراداً يصدّر فيه الحمضيات إلى دول الخليج والعراق بمعدل 35 طناً.

ومن الضروري اختيار البضائع الأجود من المزارعين، وننتظر الموسم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، لنبدأ التصدير.

ولفت إلى التسهيلات الممنوحة لهم من الحكومة والتي ستجعل العمل أفضل سواء للتحميل من دون عوائق، أو موضوع الحوالات والسماح بالتعامل بالعملات الأجنبية، الأمر الذي خفف الكثير من أعباء عملهم.

واقع المزارعين

وفي استطلاع لواقع مزارعي الحمضيات، قال المزارع محمد أحمد من قرية فديو: إنه مازال بانتظار حركة السوق، وإنه منذ شهر آذار يعمل فى الأرض حراثة وتسميداً “سماد عضوي”، وسقاية، لكن الموسم كان جافاً وعانى من عدم توفر المياه.

وأشار إلى أن هناك مناطق لم يشملها الري، وبالتالي اضطرّ لشراء المياه بالصهاريج، وهذا مكلف للمزارع، وهذه التكاليف عالية، إضافة لرش المبيدات بكل أنواعها، مبيدات العناكب والحشرية والفطورية والنحاس، وحتى مبيدات الأعشاب، واليد العاملة، وكل ذلك من نهاية الموسم للآن، وحتى التكاليف لم تنتهِ فهناك القطف والعبوات البلاستيكية والتشميع وأجور النقل، وعند الحساب قد تكون هناك خسارة كبيرة والرابح الوحيد هو التاجر.

زراعة خاسرة

المزارع عماد علي من قرية عين شقاق، أكّد لنا أنه قام العام الماضي باقتلاع شجر الحمضيات من أرضه، واستبدلها بزراعة الموز والورد، إذ الربح كان مضموناً، فكيلو الموز البلدي بسعر 10 آلاف ليرة، بينما الليمون مبيعه بأحسن أحواله من 3 إلى 4 آلاف ليرة.

ولفت علي إلى أنه كان يتمنى دعم محصول الحمضيات والاهتمام به، ومع ازدياد زراعة الموز والأصناف المضمون ربحها، باتت تجارة مهددة بالخسارة لتوسعها وتوفرها بكميات كبيرة.

الاستثمار في الحمضيات

وللتعمق في أسباب تراجع الإنتاج هذا العام وطرق الاستفادة المثلى من المحصول، التقينا نقيب المهندسين الزراعيين في اللاذقية المهندس، معتز بالله قاسم، الذي أشار في حديثه لـ “الثورة ” إلى أن التراجع الملحوظ في إنتاج الحمضيات لدى شريحة كبيرة من المزارعين بشكل عام جاء نتيجة تداخل عوامل مناخية (جفاف وصقيع/تقلبات حرارية) مع أسباب اقتصادية أدّت إلى ارتفاع تكاليف المدخلات (أسمدة، مبيدات، طاقة) وقلّة العناية بالأشجار عند بعض المزارعين، ما أسهم في انخفاض الكمية وجودة المحصول، وإشكاليات تسويق (وساطة، ضعف سلسلة التبريد، قيود نقل وتصدير).

ورأى قاسم أن الواقع يتطلب العديد من الحلول الفنية (ري، إدارة آفات، حماية من الصقيع)، والاستثمار فيما بعد الحصاد (تبريد، فرز، تعبئة) واستراتيجيات تسويقية (تجميع، تعليب/تجفيف/عصائر، عقود تصدير، علامة تجارية) لإعادة الاستثمار في الحمضيات.

تراجع الجودة

وأكد نقيب المهندسين الزراعيين أن انخفاض جودة ثمار الحمضيات يرجع لعدة أسباب منها:

أولا: انحباس الأمطار، ومحدودية المياه السطحية، والضغط على الري خاصة في الأشهر الحرجة للإزهار وعقد الثمار؛ وأدى ذلك لانخفاض عدد الثمار وحجمها، إضافة للصقيع والتقلبات الحرارية التي أثّرت على الثمار النامية.

ثانياً: ارتفاع تكلفة المدخلات (أسمدة، مبيدات، وقود، أجور)، ما جعل المزارعين يقللون الري والتسميد والرعاية، وأثّر ذلك على المحصول.

وأضاف قاسم: إنه بسبب ضعف العناية والري تتفشى آفات وأمراض تسهم في نمو أشجار أقل مقاومة، ما يزيد من ضعف المحصول ويؤثر على الجودة.

إدارة المحصول

تسويق الحمضيات يتطلب إدارة متخصصة وفق ما أشار إليه نقيب المهندسين الزراعيين، إذ إن تراجع البيع يعود في بعض الأحيان إلى وجود وسطاء/سماسرة/ يسحبون هامش الربح من المنتجين المحليين، ونقص تنظيم التسويق التعاوني وغياب التعاقدات المسبقة مع معالجين أو مشترين.

ولحل هذه المشكلة لا بدّ من توفير قنوات ذات قيمة مضافة كالقنوات التقليدية للبيع المباشر، وإنشاء مراكز تجميع لتقليل الفاقد، ورفع جودة المنتج المعروض للسوق المحلي والتصدير، ومن الضروري التعاقد مع سلاسل توزيع محلية للتوريد لمحلات التجزئة والسوبرماركت لتأمين سعر مستقر للمزارعين.

الاستفادة المستدامة

لاتقتصر الحمضيات على كونها فاكهة موسمية تنتهي بنهاية الموسم، بل هي مخزون اقتصادي وصحي ولها احتياجاتها على مدار العام، إذ أكّد قاسم أنه يمكن الاستفادة من عصائرها بالتعاقد مع مصانع عصير محلية وإقليمية لشراء كميات بأسعار أفضل من السوق الطازج في أوقات ذروة العرض، كما يمكن الاستفادة منها في تصنيع المربيات والمعلبات، والقشور المجففة، والزيوت العطرية من القشور (إذا توفرت قدرات تقنية)، إضافة إلى الشرائح المجففة، ويمكن أيضاً تجميد شرائح العصائر للتصدير وللسوق بعيد المدى، وإنتاج مركزات محلي.

رفع الجودة

ولتحسين واقع الحمضيات والمحافظة على المحصول رأى قاسم أن ذلك يتم من خلال تطبيق الريّ المحوري ورفع كفاءة استخدم السماد، وتأمين جدول ري مرن حسب مرحلة الإزهار والعقد، والتخفيف من آثار الصقيع باستخدام نظام رذاذ بسيط، أو مراوح مكافحة الصقيع، أو أغطية مؤقتة في البستان للمناطق الأكثر عرضة، والتغذية والتسميد الذكي والمراقبة الدورية للآفات.

وختم نقيب المهندسين الزراعيين بأن الانخفاض الملحوظ في إنتاج حمضيات اللاذقية هذا العام هو مشكلة مركّبة ذات جذور مناخية واقتصادية ولوجستية، ويمكن تدارك الخسائر وتقليل التأثير عبر تدخلات فنية سريعة واستثمارات فيما بعد الحصاد، ومن خلال التعاونيات والتعاقدات المسبقة، ومعالجة مشكلة الوساطة.

لنا كلمة: موسم الحمضيات في محافظة اللاذقية، قيمة اقتصادية وبيئية مهمة جداً للسكان، ومع ارتفاع خطر الاستعاضة عنه بزراعات أخرى، بات من الضروري توجيه الجهود نحو حلول مبتكرة ومتنوعة تسهم في تقليص آثار الجفاف وتعزز من استدامة هذا المحصول الاستراتيجي.

آخر الأخبار
مدارس ريف إدلب تواصل مسيرة إعادة التأهيل تكاليف العلاج المرتفعة تدفع المرضى إلى الطب البديل من الرياض.. هل ترسم سوريا خارطتها الاقتصادية في "دافوس الصحراء"؟ الشهر الوردي.. من التوعية إلى الشفاء المتسولون في دمشق.. من شتات الأرصفة إلى مراكز الأمل سوريا في مبادرة مستقبل الاستثمار.. انفتاح اقتصادي وترسيخ للشراكات الإقليمية حكم إعدام بحق شاب سوري يثير الجدل في العراق و"الخارجية" تتحرك واشنطن تقدّم مساعدات عاجلة للمجتمعات المتضررة في جنوب سوريا الرئيس الشرع يصل الرياض للمشاركة في مؤتمر مستقبل الاستثمار ولقاء الأمير محمد بن سلمان السعودية تطلق صندوق "إيلاف" للاستثمار في سوريا برأسمال ضخم أردوغان: استقرار سوريا ركيزة لأمن المنطقة أعمال ترميم مستوصف حيش تعيد الأمل للعائدين إلى ريف إدلب "بمستقبل الاستثمار والابتكار" سوريا تفتح أبوابها للفرص والازدهار التحوّل من الإغاثة إلى الاستثمار صناعة رغيف الخبز بدرعا.. المواطنون يشتكون والمسؤولون يُطَمْئنون! قرار منع التصرف على صحائف أكثر من/180/ عقاراً في اللاذقية أدخل الحابلَ بالنابلِ تراجع إنتاج الحمضيات في اللاذقية يهدد بكارثة اقتصادية وزراعية   حملة "حلب نظيفة".. الجهة المنفّذة تخالف تعليماتها.. ومجلس المدينة لا يجيب..! صابون زيت الغار.. تراث يعبق برائحة الطبيعة حسين المحمد في سباق الحسين الدولي للقدرة والتحمل