ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
يمتد الهلع من تمدد الإرهاب يميناً وشمالاً، وتعود الأصوات إلى استلال المنسيات في عالم السياسة الغربية التي تجاهلت التحذيرات، ولم تكن أصوات الأدوات الإقليمية أقل تجاهلاً لذلك، بل اتكأت عليها لتبرير وتسويغ إيغالها وتورطها في تفشّي الإرهاب،
ويبدو أن ضجيجها لن يكون أقل مما هو سائد في الغرب، وسط ميل فطري من أغلبها إلى تغييب العامل الإسرائيلي.
على هذه القاعدة، تبدو التجاذبات أبعد من انعطاف في السياسة أو تغيير في التكتيك والاستراتيجيا، وأكثر مما يطفو على السطح وسط الحديث عن تحالفات بدأت تفرض نفسها على المشهد السياسي، وإن بقيت الأفكار الروسية وحدها التي تتمتع بقدر كاف من الجدية والمصداقية، فيما يبقى ما يتم الدفع به إلى ساحة التداول في حيّز التمنيات بجزء منه أو على خجل في جزء آخر، ولا يمتلك عوامل إرادة كافية للأخذ به، بحكم أن تطورات الميدان الإرهابي اقتضت أن النبش في الأوراق القديمة أو العودة إلى العناوين المحيدة من سياقها السياسي لا بد أن يترافق بمتغيرات دراماتيكية، لا تكتفي فقط بتخطّي المحظورات بقدر ما تبني على ما هو مستبعد من التفكير الإقليمي.
فمصر التي انفتح فيها المشهد على تصاعد في الاستهداف الإرهابي استحوذت على المساحة الأوسع في قراءة التداعيات، وكادت تغطي نسبياً على جوارها الإقليمي بما في ذلك مشهد الإرهاب الذي طال الخليج تحديداً الكويت، التي تبحث اليوم عن دروع إضافية لتحصين ذاتها من أشقائها الخليجيين، خصوصاً السعوديين عبر التفكير في إعادة فرض تأشيرة الدخول عليهم والتدقيق في الأبواب المفتوحة، ولن تكون الإمارات والمشيخات الأخرى بعيدة عن التفكير الكويتي بحدّه الأدنى.
اللافت أن العامل الإسرائيلي عاد إلى الحضور جنباً إلى جنب عبر ما يُسرّب عن تنسيق سعودي إسرائيلي منجز باتفاق وأهداف وأجندات، كورقة تفخخ كل الاحتمالات بما فيها تلك التي تتحدث عن تعديل في كفّة الفارق بين تداعيات الخضوع للأمر الواقع، وبين الاضطرار لمحاكاة ما يجري وتحديداً ما يخص الطروحات المتسارعة بتحالفات إقليمية، تتناسى أو تتجاوز تراكمات الأعوام الماضية وما خلّفته من إرث يثقل كاهل أي أفق كان بما فيها التمنيات.
وحين يعود مثل هذا العامل إلى الحضور ثمة بديهيات لا يمكن تجاوزها ولا القفز فوقها، وهي أن المنطقة مقدمة على تفجير خطير يعيد قلب المعادلات ويغيّر معظم الحسابات القائمة، بل يتجاوز في سياقه ما يجيز النظر أبعد مما هو قائم باعتباره الوضع المثالي الذي جال فيه الإسرائيلي وصال دون حسيب، ولن يترك الباب للمصادفة ولا للاحتمالات التي يشاركه فيها وبالقدر ذاته من الرعب السعودي الذي يراهن على تشابك غير منظور في الخيوط المرسومة.
فإذا كان من البديهي أن الإسرائيلي يعمل ليل نهار على استمرار المنطقة في الخراب والدمار ولا يتردد في الثناء على الأميركي في حسن إدارة ذلك، فإن من أبسط الأشياء أن نتخيّل أنه لن يقف مكتوف الأيدي حيال أي مشهد يمكن له أن يحدّ من الإرهاب أو أن يوقفه، لأنه يتلاقى معه ويتقاطع، ليس في التكتيك اليومي فقط بل في الاستراتيجي الطويل الأمد أيضاً ، حيث التقديرات الإسرائيلية ووفق وثائق رسمية لا تجد أي خطر قادم من الإرهاب في المدى المنظور.
الأخطر أن يبقى حيّز التحرك الإسرائيلي خارج الحسابات أو المعادلات وأن يظل في إطار المخفي أو المسكوت عنه، كما جرت العادة وتحديداً في الأحداث الإرهابية التي تتحرك في أغلبها وفق منظومة خدمة الإسرائيلي وتطابقها مع أجنداته المعلنة منها والمضمرة، وإن أي افتراق في الحسابات أو تمايز في المعادلات بينهما سيملي بالضرورة سياقاً مختلفاً، وتحركاً لا يشبه ما نراه اليوم.
مواجهة الإرهاب ليست حالة رومانسية حالمة ولا هي فقط نيات أو أمنيات في مواجهة مفتوحة على الوجود والمصير، وتقتضي النظر أبعد مما يطفو على السطح، فالإسرائيلي كان ولا يزال بؤرة الإرهاب المتحركة التي لن تدخر جهداً في سبيل إشعال ما يمكن، وفي فتح قنوات متواصلة لتفشّي الإرهاب والبحث في الهوامش الجانبية وفي السياقات الموازية عن عوامل تفجير تجعل الإرهاب طريقاً ومنهجاً لإعادة تركيب المنطقة وفق أجندات تتيح لإسرائيل أن تكون المتفرد في خيارات المنطقة وفي مصيرها.
a.ka667@yahoo.com