ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تكاد المسافة الفاصلة بين التمني والوهم تختصر الفارق إلى حدود الخلط بين المنطقين المتناقضين إلى حدّ كبير، بدليل أن الاستنتاجات لا تخرج في كلا الحالين عن السياق التبريري والذرائعي الذي يحكم أغلبها، وقد أطلقت الكثير من الأطراف الإقليمية أحكامها،
ولم تتردد في تسويقها على أساس أنها القناعات المعمول بها، وخصوصاً في سلّة الأكاذيب الحاضرة لتبرير الموقف مما يطرح من مبادرات للتنسيق ضد الإرهاب.
فالحديث المجتزأ عن خلفيات وأسباب المبادرة الروسية يتم الترويج له من باب التأويل بعد أن فشل الافتراض الذي أخذ أحداث السنوات الماضية إلى مواقع ليست لها، ولم توصل إلا إلى مزيد من انفتاح المشهد ذاته على تفشّي الإرهاب، تحت المقولة السائدة التي تُفسّر الأشياء عبر سيل من التكهنات القابلة للتخلص منها عند أول منعطف أو أمام أول حالة استعصاء في تداولها.
على هذا المبدأ تنشط الـتأويلات التي عجزت عن هضمها الحقبة الماضية، لتكون الوجه الأول للنفاق المستتر الذي يعكس إلى حدّ بعيد الإفلاس في تسويق مبررات الاضطرار الإقليمي للأخذ بما طرحه الروسي على مَحمل الجد، حيث يملي في الحدّ الأدنى تغييراً دراماتيكياً في المنطق السائد الذي حاكى الإرهاب من منظور المقاربة بأجنداته والتوافق على أهدافه وغاياته، ما يمهد الطريق أمام الحديث عن انعطافات بحكم الأمر الواقع، وليس بفعل الرغبة أو الجدية.
والافتراق الحاصل لم يعد مردّه إلى خروج الإرهاب عن السيطرة فحسب، كأحد أهم عوامل التغيير الاستراتيجي في المقاربة، بقدر ما يعكس خشية متزايدة باقترابه من خطوط حُمر رسمتها المصالح والأطماع الغربية، أكثر مما رسمتها افتراضات الأدوات الداعمة لوجود الإرهاب والسيناريوهات الموازية التي احتكمت في معظمها إلى العمل مع الإرهاب جنباً إلى جنب من منظور التطابق في الوجود والمصير، حيث أي فشل له سيكون فشلاً للدول المشغّلة له وأي تعثّر ستكون له ارتدادات أخطر بكثير من قدرة تلك الأدوات على تحمله!!.
لذلك جاءت المشاهدات الحسية من قبل منابر تلك الأطراف الإعلامية والطروحات الموازية لها خيالية ومعاكسة للواقع، وتعيد النفخ بلغة التضليل والمراوغة، من دون أن تُخرج من حساباتها الحاجة لترك الباب موارباً، حيث يتم الترويج اليوم بأن الفكرة غربية والمبرر غربي وأن القرار كان سابقاً للمحاولة الخليجية ومتقدماً على الفكرة التركية ومتوافقاً مع الرغبة الأردنية، التي بدت أخماسها أكثر ارتباكاً من أسداسها، وهي تدوّر الزوايا بحثاً عن موضع يعيد ترتيب حضورها كورقة أميركية تُجاهر بما بنَته سنوات خدمتها داخل أجندات المشروع الغربي.
الواضح أن الفارق الذي تستند إليه الأدوات الأميركية في المنطقة، والخليجية منها على وجه التحديد، يفتقد للمنطق في المقاربة والقراءة، ومعظمها يعتبر وجوده حصرياً داخل دائرة هذا الدور وما يقتضيه من مساهمات غير منظورة في هوامش الاحتياط الأميركي، وهو غير عاجز عن قراءة أن القبول الأميركي التدريجي لما يطرحه الروسي يعني خسارة معنوية تقابلها أضعاف مضاعفة من الناحية العملية، لجهة أن الرؤية الروسية ستكون بالضرورة أقرب إلى المبدئية وإلى القانون الدولي وإلى المواثيق المعمول بها، ما يعني قطيعة موثقة مع الماضي الذي اعتاشت فيه على الحيّز الغربي المفتوح الذي سمح لها بالتطاول على القوانين الدولية بغية المطابقة مع لغة المصالح والأطماع.
وفي العودة إلى لغة التسريبات والتحليلات المستقاة من مصادرها الاستخباراتية المعروفة سلفاً، تنعكس المعادلة وتبدو أقرب إلى الغوص في تعابير لم تعد قادرة على الرواج كما كانت العادة في الفترة الماضية، ولا هي فاعلة في سياقات البحث عن تبريرات وذرائع وسط ميل دولي واضح لمحاكاة واقعية تتعارض مع لغة الافتراض وتتناقض تلقائياً مع مفردات التأويل، حيث الأميركي لا يجاري التمنيات، وإن كان لا يستبعدها وسط هذا التموج من المقاربات المتناقضة التي تحتاج إلى حقول اختبار متعددة ريثما يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود.
فالتعويل الأميركي يبقى قيد التجريب، ورهناً بنتائج ما تقدمه الأيام القادمة ومدى قدرة الروسي على مراكمة تجاربه الدبلوماسية وخبراته على المسرح العالمي للخوض في رمال المواقف الأميركية المتحركة والإقليمية المتبدلة حسب مزاج الحسابات أو وفق معايير المعادلات الوهمية، التي لا تزال مزدهرة وتعتاش على فتات ما تسمح به الديماغوجية الأميركية وما يتيحه نفاقها حتى إشعار آخر.
a.ka667@yahoo.com