الثورة – سيرين المصطفى
في مشهد لم يألفه السوريون منذ عقود، حظي لقاء الرئيس السوري “أحمد الشرع” بعمة والده، أم محمد، في محافظة درعا، بصدى وتفاعل شعبي واسع، لما حمله من لمسة إنسانية وعفوية نادرة، السيدة المسنّة استقبلته بعفويتها ولهفتها، فيما بادلها الرئيس بلطف واضح واهتمام صادق.
الصورة التي انتشرت لهما، ويظهر فيها الرئيس جالساً بجانب عمته التي لم تره منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ومعهما شقيقه ماهر الشرع، لامست قلوب السوريين، وفي مقابلة لاحقة، وصفت أم محمد الموقف بلهجتها الحورانية قائلة: “حطني بحضنه وحبحبني”، وأضافت ببساطة مؤثرة: “قلتله إني عمتك أم محمد”، كلماتها العفوية تجاوزت السياسة، واخترقت البروتوكولات، وقدمت لحظة إنسانية نادرة لاقت تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
ذلك اللقاء البسيط شكّل تحولاً في الصورة التقليدية للسلطة في سوريا، ففي مقابل المشهد الرسمي المعتاد، المليء بالاستعراض والتكلّف، ظهر الرئيس الشرع بصورة مختلفة: قريبة من الناس، خالية من الاستعراض، وتمتعت بالبساطة والعفوية.
التفاعل الشعبي كان لافتاً، إذ امتلأت مواقع التواصل بالتعليقات التي رأت في اللقاء خطوة نحو تواصل حقيقي بين الحاكم والمواطن. لم يُنظر إلى اللقاء على أنه زيارة عائلية فحسب، بل كرسالة رمزية تؤشر إلى نمط جديد من العلاقة بين الدولة والشعب.
ورأى مراقبون في هذا المشهد محاولة واعية من الشرع لتجاوز الإرث الثقيل لنظام الأسد، الذي جعل القيادة محاطة بالعزلة والحواجز، لا تتصل بالشعب إلا من خلال مؤسسات أمنية كانت ترعبه وتساهم في إبعاده عنها.
اليوم، بدا المشهد مختلفاً: عمة سورية تخاطب قريبها، ولقاء عائلي يتحوّل إلى لحظة مؤثرة. لم يظهر الشرع كزعيم متعالٍ، بل كابن من أبناء هذه الأرض، يستند في حضوره إلى القرب والدفء، لا إلى الرمزية الجوفاء.
ورغم أن هذه المظاهر لم تكن مألوفة في المشهد السوري لعقود، فإن استمرارها وتكرارها قد يسهم في إعادة بناء الثقة بين القيادة والمجتمع. فالسوريون، بعد سنوات من القطيعة والعنف والاستعراض، يتوقون إلى من يقف بينهم، لا فوقهم.
في النهاية، لحظة “الحبحبة” التي نطقت بها أم محمد حملت في طياتها رسائل قد تفوق أثر عشرات الخطابات. قد تكون هذه البداية المتواضعة لحكاية مختلفة، أو على الأقل، بادرة تشير إلى أن سوريا قد تكون على أعتاب نمط جديد من الحكم، يتأسس على القرب الإنساني، لا على الرهبة أو التمجيد.