أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
في سابقة لافتة في المشهد السوري، أعلن وزير الاتصالات وتقانة المعلومات عبد السلام هيكل عن تعيين الطفل سليم التركماني متحدثاً رسمياً باسم الوزارة لأبناء جيله، في خطوة رمزية تحمل أبعاداً تتجاوز إطار البروتوكول، لتصل إلى عمق الرسائل السياسية والاجتماعية التي تسعى الحكومة الجديدة لإيصالها في مرحلة ما بعد التحوّل.
تُظهر هذه المبادرة توجّهاً جديداً لوزارة الاتصالات نحو دمج الطفولة والجيل الناشئ في الحيز العام، ليس فقط كمستفيدين من سياسات الدولة، بل كمشاركين فاعلين في صياغة الرؤية الرقمية المستقبلية، وبتكليف طفل في موقع رمزي ضمن مؤسسة حكومية، يبعث الوزير هيكل برسالة تؤكد أن جيل ما بعد الحرب هو محور المرحلة المقبلة، وأن إشراكهم في صناعة القرار لم يعد مجرد شعار، بل جزء من واقع جديد يتشكل في سوريا.
وتمثل هذه الخطوة محاولة لإعادة صياغة صورة الدولة لدى الأطفال، وربما استعادة الثقة المفقودة بين الأجيال الناشئة والمؤسسات العامة، من خلال لغة قريبة منهم، يمثلها طفل يتحدث بلغتهم ويعبّر عن اهتماماتهم التقنية والمعرفية.
رغم غرابة الفكرة في السياق السوري، إلا أنها ليست معزولة عن تجارب دولية مشابهة، فقد سبقت دول مثل فنلندا وكندا واليابان إلى تبني سياسات إدماج الطفل في الخطاب العام، عبر إنشاء مجالس أطفال استشارية، وتعيين “سفراء صغار” للتقنيات، وحتى الاستعانة بآراء اليافعين في صياغة استراتيجيات الذكاء الاصطناعي.
وفي المملكة المتحدة، مثلاً، أطلقت الحكومة في العام 2018 برنامجاً يُشرك الأطفال في رسم السياسات الرقمية، وفي كوريا الجنوبية، نُفّذت حملات توعوية ضخمة يقودها أطفال بشأن الأمن السيبراني.
وتحتفل تركيا سنوياً بعيد الطفل في 23 نيسان/أبريل، وهو عيد رسمي يُخصص للأطفال، ويرتبط بذكرى افتتاح أول برلمان تركي عام 1920، ومن أبرز رموز هذا العيد قيام رئيس الجمهورية التركي ورئيس البرلمان بتكليف أحد الأطفال برئاسة الدولة أو البرلمان ليوم واحد، في تقليد يحمل رسائل رمزية قوية حول تمكين الأجيال القادمة وتعزيز ثقافة المشاركة.
في هذا السياق، يأتي تعيين سليم التركماني بمثابة محاولة لوضع سوريا على خارطة الابتكار المجتمعي، حيث يصبح الطفل ليس مجرد متلقٍّ بل جزء من الحضور الرسمي، وصوت يمثل من هم في عمره، بما يحمله من فضول معرفي وقدرة على التأثير.
سليم التركماني ليس طفلًا عادياً، هو صانع محتوى رقمي في سن مبكرة، يقود منصة “ليتل تك سليم” على إنستغرام ويتابعه أكثر من 300 ألف مستخدم، معظمهم من الأطفال واليافعين، يهتم بتقديم معلومات مبسطة ومُلهمة عن أحدث ما توصّلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويشارك تجاربه مع تطبيقات تقنية وأجهزة ذكية، بل ويقدّم مراجعات مبسطة تُلائم فئته العمرية.
يُظهر سليم مستوى نضج لافتاً، كما بدا في منشوره بعد لقائه بالوزير، إذ قال: “كلام الوزير يُشبه كلام بابا: بدنا نعمر سوريا، بتستاهل أولادها”، في إشارة إلى أن حلمه يتجاوز الشهرة، إلى المشاركة في مشروع وطني أكبر.
منذ تسلّمه الحقيبة الوزارية، يسعى عبد السلام هيكل إلى كسر القوالب التقليدية في الإدارة السورية، من خلال إدخال مفاهيم الابتكار، والتقنيات الناشئة، وتشجيع الكفاءات الشابة، وكان قد أعلن عن اعتماد الذكاء الاصطناعي في بعض قطاعات العمل، وضمّ مجموعة من التقنيين والروّاد الشباب إلى فريقه، ويبدو أن تعيين سليم يأتي تتويجاً لهذا التوجّه، وإشارة إلى إصراره على تغيير لغة الخطاب، وتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل حتى أصغر المواطنين.
تكليف سليم التركماني بهذا الدور لا يعني فقط كسر السائد في العمل الحكومي، بل يشير إلى بداية تغيير في عقل الدولة تجاه الطفل، وتحوّل في إدراكها لأهمية بناء جيل يتعامل مع التكنولوجيا ليس كمستهلك، بل كشريك في الابتكار، وفي بلد عانى أطفاله من الحرب والنسيان لعقد كامل، فإن هذه الخطوة قد تكون، وإن جاءت متأخرة، بداية جادة للإنصات لصوت الطفل السوري، بل ومنحه منصة حقيقية للتعبير والمشاركة.