الثورة – سيرين المصطفى:
مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى هذا العام في سوريا، تبدو الأجواء مختلفة وتحمل في طياتها معنى خاصاً بعد سنوات طويلة من المعاناة والحرمان، لقد حرم نظام بشار الأسد الأهالي من أبسط حقوقهم الإنسانية، ومن بينها زيارة قبور أحبائهم، فقد كانت العديد من القرى والمدن السورية محتلة من قبل قوات النظام، التي فرضت سيطرتها القمعية وحوّلت تلك المناطق إلى مناطق مغلقة لا يستطيع أهلها الوصول إليها.
خلال سنوات الحرب، اضطر الكثير من السوريين إلى مغادرة قراهم ومدنهم قسراً، بحثاً عن النجاة بأرواحهم، تاركين وراءهم منازلهم وذكرياتهم وأحباءهم المدفونين هناك. لم تكن الزيارات للمقابر ممكنة، وحرمان العائلات من الوجود حتى في أماكن دفن موتاهم أضاف جرحاً جديداً إلى جراحهم، وأغلق باب التواصل الروحي والذكرى على الكثيرين.
مع سقوط نظام بشار الأسد، انفتحت الأبواب مجدداً أمام السوريين للعودة إلى قراهم ومدنهم بحرية، واستعادة حقهم الطبيعي في زيارة قبور موتاهم الذين غابوا عنهم طويلاً، هذه الزيارات باتت أكثر من مجرد عادة أو طقس مادي؛ فهي لحظة تواصل روحي عميق، لقاء مع الأرواح التي طال غيابها، فرصة لإحياء الذكرى وتجديد الصلة مع الأحبة الذين رحلوا تحت ظروف قاسية.
الآن بإمكان الأهالي أن يمارسوا طقسهم الذي اعتادوا القيام به قبل النزوح في كل عيد وهو زيارة قبور الأحبة، والجلوس بالقرب منها ووضع باقة ورود وريحان عليها وقراءة القرآن عليها، مما يبعث في النفس السكينة والطمأنينة، ليحققوا شيئاً كان بمثابة حلم طوال سنوات النزوح.
تزامناً مع عيد الأضحى، شهدت مناطق واسعة حركة عائلات عادت إلى مواطنها الأصلية، لتجتمع بعد سنوات من الانقطاع القسري والتهجير. هذه اللقاءات لم تكن فقط اجتماعاً للأحياء، بل لم شمل روحي مع من فقدوا، تجسيد لانتصار الإنسانية على القهر، وتجديد الروابط الاجتماعية التي مزقها الاحتلال والسيطرة الأمنية.
العودة إلى الأرض والقبور تعزز شعور الانتماء والطمأنينة النفسية وسط أجواء تأمل وصفاء. عيد الأضحى هذا العام في سوريا يصبح رمزاً للحرية واستعادة الكرامة، وفرصة لتجديد الأمل بعد سنوات من الظلم والغياب، حيث يستعيد السوريون حياتهم وذاكرتهم التي حاول النظام القمعي طمسها.