مجسات الاستراتيجية البريطانية..!!

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تتجه بريطانيا لتغيير استراتيجيتها بعد أن سبقتها أميركا على ذلك تحت ذرائع تكاد تتفق في العناوين، وإن اختلفت في التفاصيل والدوافع والمعطيات، أو تمايزت في الأهداف والمسوغات لجهة التعاطي مع المتغيرات التي تبرز فيها التطورات في المنطقة وخارجها، أحد أهم الحجج المساقة للتغيير.

ربما لم يكن تغيير الاستراتيجيات في عقود مضت أمراً يثير الانتباه، أو يحظى بهذا الاهتمام، بحكم أن الكثير منها بقي لعهود طويلة من دون تغيير، وبعضها الآخر جاء نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي وتسيّد القطبية الأحادية للمشهد العالمي وما أفرزه من تطورات، فاقتضت الضرورة المصلحية للدول الغربية أن تختلق جملة من الأعداء الوهميين كي تبرر وجودها، بل ذهبت بحلف شمال الأطلسي إلى الاعتماد على أعداء افتراضيين وإدخال تعديلات جوهرية على بنيته من أجل تسويغ استمراره بعد سقوط حلف «وارسو».‏

لكنها في سياق ما تحدده ظاهرياً، تَحضر المنطقة -بالتحديات الناجمة عن تطوراتها المتسارعة- كأحد عوامل الاندفاع في تغيير الاستراتيجيات الغربية، والدافع الذي لا يغيب عن سطور أي استراتيجية تريد أن تقارب الواقع الجديد، وهذا ما يتضح بصورة كليّة في محاكاة خفيّة لمواجهة قادمة تعدّلت فيها قواعد الاشتباك وتغيّرت قوانين التحالف، وربما انتهت إلى غير رجعة تلك التي كانت سائدة.‏

هذا المؤشر يحمل بروزاً متزايداً لمعطيات نظام عالمي ينهي حقبة الأحادية الأميركية التي أقرّ الكثير من ساسة البيت الأبيض أنها في مواجهة خطيرة وتحدٍّ أخطر مع الصعود الروسي والتحرك الصيني الهادئ، تقابلها حسابات بريطانية لا تقل عنها في سياق التفسير البسيط للأسباب الموجبة التي دفعت بها إلى تغيير استراتيجيتها، لتتصدر روسيا قائمة الدول التي تشكل تحدياً بالنسبة لها، وهي التي لم تكن كذلك في آخر استراتيجية وضعتها عام 2010.‏

غير أن الأكثر دلالة في المشهد تلك التسريبات المتعمدة عن محاولات تحرّش سياسي بريطاني بروسيا، سبق أن ترجمتها جملة من المعطيات.. اقتضت في إحداها على الأقل أن تستدعي موسكو السفير البريطاني للاستفسار عنها، وربما كانت حاسمة لجهة نيات بريطانيا أن تقدم تمهيداً يسبق الخطوات الأميركية استراتيجياً، ويكون ساعي بريد لحروبها تكتيكياً.‏

المعضلة الفعلية اليوم أن هذا التغيير لا بد أن يترافق بمتغيرات في الاصطفاف الدولي على ضفتي المشهد، والأخطر أنه سيخلّف وراءه فجوات وفراغات في مساحات كبرى داخل المنطقة وخارجها، ولا تخلو من مخاطر تلوّح بها واشنطن، وتسبقها إليها أحياناً بريطانيا، وهي لا تكتفي بما هو قائم ومحتمل، بل تعمل على رسم خرائط جديدة لا يبدو المخاض القائم في المنطقة خارج احداثياتها في محاولة محمومة لتقاسم نفوذ مفترض لا يعترف بإرث تحالفات الماضي، وإن تمسك بحسابات القطبية الأحادية.‏

الحامل السياسي الفعلي لكل ما نشهده لا يرتبط بما ترسمه الاستراتيجيات الغربية، ولا يقتصر على ما نراه، أو نتوقعه، أو نتخيله من انزياح في العلاقات الدولية، تفرضه ترتيبات المشهد بجديد أقطابه، وما قد يتبقى من قديمه، وإنما في المحاولة الاستباقية لإبقاء اليد الغربية على زناد المواجهة، وأن تظل فوهة التحكم بالانفجارات المتنقلة في المنطقة وخارجها رهناً بالقرار الأميركي.‏

بريطانيا.. حين تسرّب الرغبة في تغيير استراتيجية أمنها الوطني، وحين تتحدث وهي المحمولة على إرث استعماري، يقود مجسّات الأطماع الأميركية، وينقلها غرباً وشرقاً، لا تنطلق من فراغ الاعتقاد السياسي، ولا من وهن الاحتمالات الافتراضية، بقدر ما تحدد.. وتوجّه.. وتضع محددات ومعايير ومواصفات القاطرة الأميركية في المواجهة التي رفع وزير الحرب الأميركي سقفها حين تحدث عن مواقف عملية لمواجهة الحراك الروسي مع التركيز على ما يستتبعه من خطوات أميركية تلوّح بها استراتيجيتها المعدلة سلفاً، وما سيليها من تعديلات بالضرورة على باقي حلفائها الغربيين.‏

تنافر العلاقة بين أقطاب العالم لا يكتفي هنا بالتذكير بأجواء الحرب الباردة، بقدر ما يؤشر بوضوح إلى ما يسبقها من مواجهات ساخنة في نقاط متحركة داخل المنطقة وخارجها، ولا يسقط من خيارات الغرب هنا الرجوع إلى أوراقه وأدواته القديمة وجديدها التنظيمات الإرهابية، وما تحمله من مؤثرات صوتية أكثر مما هي فعلية في ميدان المواجهة وعلى امتداد المساحات الملتهبة.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم