الثورة أون لاين- علي قاسم: لا أحد يستطيع إنكار أن هناك فجوراً سياسياً طغى على ماحوله، بل ثمة أطراف وأدوات وأشباه دول ساقت إلى حيث فرطت بأخر ما تملكه من رصيد وسط هذه الحسابات الكبرى، وبعضها على الأقل لايكتفي بفجوره، بل يستقوي بغيره مدفوعاً بوهم استطالاته. لا منطق في كل ما تطرحه هذا صحيح.. ولا عقلانية فيما تذهب إليه ذاك صحيح أيضاً.. لكنه في نهاية المطاف تصويب يجمع حوله أدلة مصنّعة وبراهين مقلوبة، كي يبقى الغبار الذي يشوش الرؤية عالقاً فتضيع المعطيات وتتداخل وسط هدير الأصوات المناكفة الخارجة لتوها من كهف الاستيقاظ المتأخر. من الغرابة غير المعهودة, أن يكون الوضع العربي هو نقطة الاستقواء الأساسية في مشروع الاستهداف القائم، ومن المفارقة أن تكون تلك النقاط مواقع ارتكاز للتصويب.. تستجمع كل هذا الصخب والضجيج، وتلك الأصوات تمارس فجورها علناً وعلى مرأى الجميع. قد لا تكون هناك مفاجآت في مواقفهم، لأن أمر العمليات صدر.. فهم لا يملكون من قرارهم شيئاً، ولا يقدرون إلا على التنفيذ.. سبق لهم أن ارتضوا هذه الأدوار في الماضي ويكررونها اليوم.. فذاكرة السوريين مازالت تحتفظ بمقاطع مطوّلة منها منذ عقود، حين كانت الأبواق الظلامية لتلك الأدوار والمواقف تنشر ذلك الزيف المتواصل.. رأينا هذا القصف السياسي والاعلامي على سورية وموقفها ودورها ذاته مع فارق الامكانيات التي باتت اليوم أكثر اتساعاً مما كانت، وإن ظل الصوت ذاته.. وهؤلاء المتصدرون في المنابر الاعلامية للفتاوى والكذب والافتراء، سبقهم إليها دعاة ومدعون ومزيفون قبلهم، ومن لايعرف فعليه أن يستعيد شريط تلك السنوات.
الفتوى السياسية بإباحة الدم السوري ليست الأولى.. وزادت عليها بالمشاركة في سفكه دعماً وتحريضاً وتنفيذاً، ومن ثم الاستقواء بمجلس الأمن وأخيراً الجمعية العامة ، كما أن التورط في المؤامرة على سورية من قبل البعض العربي ليس جديداً، تبدلت بعض الأسماء والمواقع وبعضها الآخر هو ذاته.. ومن موقعه ومن دوره..
وها هو اليوم، يبادر في الاتجاه الخطأ.. في الموقع الخطأ.. وفي السياق ذاته دون أن يتعلم من تجارب الماضي ودروس الحاضر، بل يقامر أبعد، وأصبح أكثر فجوراً في الإفصاح والإشهار عن هذا الدور وذاك الموقع..
كنا نأمل ألا ينخرطوا في المشروع إلى حيث هم.. وكنا نمنّي النفس بلحظة صحوة.. لكنها غائبة ومغيبة.. ومن صمت منهم لبعض الوقت جاء لينطق كفراً..
السوريون الذين مارسوا أعلى درجات ضبط النفس واتبعوا دبلوماسية هادئة.. تعلو أصواتهم اليوم.. تطالب بأن يكون الرد على قدر الاستهداف.. وكل خطوة لها بديلها المقابل.. ولن يعدموا الوسيلة.. أوراقهم كثيرة.. ومااستخدم منها لايزال محدوداً..وقد حان الوقت لاستخدام بعضه الآخر.. الذي لايزال طيّ الكتمان..
لم تعد المسألة تقبل تحييداً ولاصمتاً.. لاهدوءاً ولا مهادنة..حصيلة يجمع عليها أغلبية السوريين، خصوصاً مع هذا التحريض الذي لاينتهي، ولايريد أن ينتهي، بل لايقبل أن يقف عند حد.
ليس من باب الحماسة للموقف.. لكنه محاولة لتفهم دوافع ومعطيات تبدو مناقضة للواقع، وبعضها يصعب على المنطق تقبله.إذ كيف لطرف أو دولة تقف في ضفة أخرى.. لايشاطرها بها أحد في العالم ، تقوم على بدائية .. سياسياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً أن تقود حملة لتطالب باصلاحات أو لتملي على السوريين مايريدونه؟!
مفارقة ستقف عند حدودها أسئلة حائرة لا إجابة لها.. لا منطق لتقبلها.. ولا عقل لتفهمها.. مفارقة تستعيد أزمنة بائدة وربما غائرة في التاريخ، لكن ثمة من ينبش عنها.. وثمة من يسلط الضوء عليها.. بل ثمة من يقول: لماذا لا تأخذوني .. هذا المسكوت عنه.. الموارب النظر إليه.. والمبتعد في سياقاته المختلفة عن فهم المغالطات التاريخية الكبرى.
ربما آن الأوان لفتح الأوراق، لوضعها جميعاً على الطاولة دون استثناء.. دون تردد.. وحتى الشعرة التي قصمت ظهر البعير لم يؤتمنوا عليها..!!
a-k-67@maktoob.com