ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لا تخفي ردود فعل الدوائر الصهيونية على ما جرى من عدوان إسرائيلي مبرمج لخدمة الإرهابيين وانقلاب المعادلة التي توهمتها إسرائيل على مدى السنوات الماضية، لا تخفي حالة الارتباك التي أرخت بذيولها على الفهم الحقيقي لقواعد الاشتباك الناشئة والتعديلات الجوهرية،
التي ستضطر معها إسرائيل إلى تعديل جذري في جميع مقارباتها المتصلة بها -وبالضرورة- ستجاريها منظومة العدوان باضطرار أكثر قسرية، يتساوى فيه كل من يقف خلفها أو حتى يدفع بالمشهد ليكون سابقاً لها، ولو كان في بعضه من باب الاختبار أو التجريب ..!!
فالمعضلة ليست في فهم أوضح لطبيعة عدوانية تمارسها إسرائيل، ولا في حالة التفاهم والتناغم التي ظهرت للعلن مع الإرهابيين وتنظيماتهم بمختلف تسمياتها، بل في سياق تلك الضرورة القسرية التي دفعت بإسرائيل لنجدة خاطئة لأدوات منظومة العدوان بأشكالها ومستنسخاتها الإرهابية المختلفة، والتي حضرت بقوة إلى مشهد التجاذب القائم في المنطقة، حيث ما يجري لم يعد فقط خروجاً على قواعد اشتباك قائمة سواء كان متفقاً عليها أم لم يكن، بل في تدشين قواعد اشتباك جديدة لا تشبه ما سبقها، ولا تستطيع أن تستمر في المقارنة بناء على محدداتها الماضية أو ردود الفعل الباهتة على مجرياتها.
والقرينة في ذلك ليست مقتصرة على ردود الفعل الإسرائيلية والاضطرار إلى الاعتراف بالعربدة، وإنما في سياق الرسائل التي حملتها، وفي الاتجاهين على حد سواء بما فيهما التوقيت والمضمون، حيث المبارزة في القراءة والتحليل لما يجري لم يعد مقنعاً أو قادراً على رسم خطوط التقاطع والتطابق، ولا على تحديد الفوارق الفعلية بين التنافر والتعارض في المعادلات الإقليمية، وان الصراع مع إسرائيل ليس حالة مؤجلة بقدر ما هو قائم ومستمر، وأنها في عدوانها الأخير لم تخطئ في التوقيت فقط بل أيضاً في المضمون، لأن ما جرى يسدل الستار نهائياً على الكثير مما تم الترويج له والبناء عليه من أوهام أو تخيلات أعادت النقاش في جزء كبير منه إلى مربعه الأول.
فسورية التي حذرت من عواقب العربدة الإسرائيلية مراراً وتكراراً، ووجهت رسائل التحذير تلك إلى المجتمع الدولي عبر المنظمة الدولية والعواصم الفاعلة والمؤثرة، كانت على يقين بأن تلك العربدة لن تقف عند حد، وأن التطاول والاستجابة الإسرائيلية المباشرة لمتطلبات الإرهابيين ليست خارج الفهم الحقيقي للارتباط معهم، بدليل المشاهد المتكررة التي كانت تبنيها على ذرائع كاذبة وملفقة في سياق التبرير لاعتداءاتها المختلفة وتدخلها السافر لحماية الإرهابيين، وتعاطت سورية مع المشهد بمختلف جوانبه بكثير من الصبر وضبط الأعصاب، وأحياناً أخرى عبر الرد غير المباشر الذي لم يردع إسرائيل، بل فهمته كعادتها على أنه يعكس مشهداً مختلفاً بالغت إسرائيل في قراءته بشكل مغلوط وخاطئ.
على هذا الأساس ليس في الرد السوري ومواجهة العدوان ما يدفع إلى الاعتقاد الجازم بأن هناك تغييراً في قواعد الاشتباك القائمة، بقدر ما هو تأكيد لما هو مؤكد بأن الاعتداء الإسرائيلي لا بد من مواجهته، وأن انضمام إسرائيل العلني والمباشر إلى جانب الإرهابيين ليس وليد قرار إسرائيلي بحت، بقدر ما يعكس رؤية متكاملة ومتفقاً عليها مع منظومة العدوان من أولها حتى آخرها، ومعها بطبيعة الحال التنظيمات الإرهابية وأذرعها المختلفة، ولا بد من مواجهته أيضا بما يضع حداً له أولاً ولا يسمح له بالتمادي أكثر ثانياً.
وعلى النسق ذاته ينسحب هذا على مختلف أنواع الاعتداء الذي تمارسه دول في الجوار بما فيها تركيا وأخرى أبعد، بأن الخطوط الحمر ترسمها حتى اللحظة معايير الفهم الحقيقي لما يجب أن يكون عليه وأن الرد على أي اعتداء من أي جهة كان لن يتأخر، وكما حصل مع الإسرائيلي سيحصل مع سواه، وأن مرحلة التأني والتعاطي السياسي ربما شارفت على نهايتها، وأن العدوان لا يرد عليه إلا بما يناسبه ومن طبيعته، وهو الأمر الذي يجب أن يؤخذ على محمل الجد في كل التقييمات والقراءات وحتى التجاوزات تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
الأوضح من هذا وذاك أن الاعتداء الإسرائيلي لم يكن مجرداً من أهدافه السياسية، وإن حاولت منظومة العدوان أن تلبسه ما هو خارجه، بدليل القراءة الصادمة للكثيرين ممن هم داخل تلك المنظومة والتي تعتبر العربدة الإسرائيلية مقدمة تفتح أبواب الجحيم على المنطقة والعالم، بل هناك من يريد أن يضيف إليه ليكون متوافقاً مع تمنيات بدت حالة الاعتداء الإسرائيلي تعبيراً سلوكياً عنها، بحيث أنه مقدمة لاختبار جبهات العدوان القادمة والبدائل المطروحة، وربما نوافذ العمل المشترك بين إسرائيل وحلف الاعتدال بمشاركة قيادية من تركيا ورعاية سياسية وحماية من أمريكا.
تغيير قواعد الاشتباك ليس عملاً تجريبياً قابلاً للمس به في جبهات مفتوحة على المجهول ولا تصلح معه العربدة على حافة الهاوية، ولا تحدده بأي حال من الأحوال حالة اعتداء أو منظومة عدوان، بقدر ما يتجسد عبر مواجهة تفتح ملفاتها وأوراقها ونقاط القوة والضعف فيها على الاختبارات الصعبة، لتنتج قواعد اشتباك جديدة وإن كانت في بعض جزئياتها مستنسخة من حصيلة الاستنتاجات الخاطئة، التي لا تريد أن تعترف بأن المشروع الإرهابي وأدواته وأذرعه يواجه إفلاساً تعبر عنه العربدة الاسرائيلية، وقد تترجمه لاحقاً سيناريوهات العدوان والخيارات الصعبة التي تجترّ فيها منظومة العدوان.
a.ka667@yahoo.com