ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:يكثر الحديث عن المرحلة الانتقالية وتحوّل في معظم الأحيان إلى لغط وحشو، وفي الحالين ثمة من يرمي الحجر في قاع مشبوه، ويبني على ما يتشكل من ارتدادات الكثير من الاستنتاجات والتفسيرات التي تتلوّن بمختلف ألوان الطيف.
الواضح أن الاستخدام المتعدد النماذج للمصطلح هو السائد، حتى إن بعض من يعتمده لم يتردد في تحويله إلى مطيّة ليمرّر من تحته او فوقه الكثير من الرسائل المتناقضة مع الواقع، وتعمّد بعضهم الآخر المسارعة إلى اتخاذه منصة لقصف سياسي بأغراض متعددة.
بدايةً لا أحد يجادل بأن المصطلح بحد ذاته تم تحميله ما لا طاقة له به، وبدت المرحلة الانتقالية هي الحل السحري المنتظر، وكثيرون ساقوا فيها ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في الطريق الموصل إليه، ولا الطريق الذي يمكن أن يصل هو إليه، في حين اعتمد آخرون المصطلح والاستخدام كطريقة للتعمية على ما يخفي خلفه، ولم يترددوا في طرقه بمناسبة أو من دون مناسبة، حتى بات ترداده يتم بشكل ببغائي !!
وعلى هذه القاعدة أخذ المصطلح الأمور إلى غير موقعها ودورها، وأشاع الكثير من الافتراضات، وانهالت التفسيرات والتفسيرات المناقضة، وبرزت إلى العلن الكثير من المصطلحات الموازية له باعتبارها الاشتقاق السياسي له، أو من منطلق الافتراض بأنها تقود إلى الحصيلة ذاتها.
فجوهر المصطلح يحمل في مفرداته ما يخالف الغاية التي اصطلح على تسميتها، واعتبرها الكثيرون البوابة الضرورية للتعويض عن الفشل في تسويق ما سبقها من مصطلحات عجزت عن هضمها رغم هول الحملة الإعلامية الموازية لها والمرافقة لنطاق الاستخدام المزدوج لها.
وفي مضمونه كان التعويل قائماً على تعمّد وضع الحصان قبل العربة، في رسالة لم يكن من المسموح أن تخطئ في العنوان الذي كرّسته نمطية الاستخدام، وتكرارها إلى الحد الذي أشاع مناخاً من الحيرة في التأويلات التي يمكن البناء عليها لأخذ الأمور نحو المسلك الخاطئ للتفسير ونحو المخرج المغلوط للهدف والغاية.
فالمرحلة الانتقالية في الاصطلاح السياسي تبدو حمّالة أوجه، ولا يمكن أخذها كما هي دون تقديم شروحات وإيضاحات تحدّد بدقّة كل ما ينطوي تحت جناحها من مفردات تطفو على السطح، وترسم خطاً بيانياً في الزمان والمكان، وتضع – وبوضوح لا يحتمل التأويل والتفسير الخاطئ – الخارطة التي تسير وفق إحداثياتها، لأن الاستخدام العائم لها كعنوان، يقود إلى ما نشهده اليوم من تضارب وتأويل وتوظيف، فكيف الأمر إذا ما وصل إلى التفاصيل التي لا تكتفي بما تتضمّنه من شياطين خلفها وتحتها، بل تضيف إليها أبالسة النيات المخبأة خلفها، وهواجس التلغيم السياسي المسبق.
ما هو مؤكد أن الاستخدام السياسي للمرحلة الانتقالية، والإفاضة في الحديث عنها، يتعمّد الخلط بين الحوار وبين ما ينتج عنه، وثمة من يذهب إلى مصادرة النتائج قبل أن يبدأ الحوار انطلاقاً من العنوان وقبل الدخول حتى في التفاصيل.
وفوق هذا وذاك، فإن الخطاب الذي يتبنّاها في لغته السياسية تجاوز المسألة برمتها، وبدأ الاصطياد في المياه العكرة التي تلوّثت بما اقترفت يداه في السياسة والإعلام والاقتصاد والحصار والقتل والإرهاب، وأطلق العنان لتمنياته وأضغاث أحلامه بناء على المبالغات المتعمّدة في التفسير، وصولاً إلى التهويل في الاستنتاج، وهو ما يضع عشرات علامات الاستفهام حول الغايات والأهداف التي تقصف هنا وتفجّر هناك وبشكل استباقي.
المرحلة الانتقالية بهذا المعنى يبدو من الصعب أن يكون لها موقعاً أو موضعاً، وقد باتت لغطاً ومماحكة لا معنى لها لأنها لا تقود إلا إلى مزيد من بعثرة الجهد وخلق المزيد من العثرات والعقبات والعراقيل، والأجدى البحث عن بدائل أخرى أكثر وضوحاً، وأن تكون الأشياء بمسمياتها لا بالمصطلح الذي يسوّق لها.
والطريق واضح صريح وممهد حتى آخره، وبدايته الطبيعية وبالضرورة تنطلق من وقف التسليح ووقف دعم الإرهاب في السياسة والإعلام.. في التمويل والتسليح.. وفي التبنّي والتحريض، وحينها مهما كان نوع المصطلح أو تسميته يمكن التفاهم على حدود استخدامه، ومساحات النقاش فيه.
a.ka667@yahoo.com