ثورة أون لاين – العميد الدكتور أمين محمد حطيط: اندفعت جبهة العدوان على سورية في الاسبوع الاخير من الازمة و بشكل هستيري مدعية السيطرة على معظم البلاد و مروجة لمقولة « الايام المعدودة للنظام » في تصرفات شملت الميدان و السياسة
و الاعلام و لم تترك بابا يمكن طرقه الا و فعلت ، و كاد المتابع ( خاصة اذا كان لا يملك القدرات المناسبة للوصول الى حقيقة الوضع السوري و قدرات الاطراف المتواجهة فيه) كاد يصدق الادعاءات تلك المتضمنة للقول بان « المعارضة انتصرت » و قد قضي الامر و ان المسألة باتت مسألة ساعات او ايام و يتولى فيها من عينتهم اميركا لحكم سورية، يتولون زمام السلطة من اجل الوفاء بالتزاماتهم بدءا بالاعتراف باسرائيل و ضمان امنها كما فعل « اخوان مصر « .
لقد استند مدعو الانتصار و لتأكيد انتصارهم على امرين : الاول ادعاءهم السيطرة على معظم الارض السورية و حصارهم للقوات الحكومية في ما تبقى خارج يدهم، و الثاني تكييف المواقف الدولية و خاصة الروسية بما يخدم استنتاجهم .و لان هذين الامرين هما الاساس الذي يستند اليه هؤلاء لترويج مقولة حسم المواجهة لصالحهم، فاننا نرى ان دراسة الميدان و النقاش العلمي الموضوعي حولهما قادر على اظهار الحقيقة و كشف زيف الادعاء . .
أ. ففي مجال السيطرة : يدعي ارهابيو اميركا انهم وضعوا اليد و في الحد الادنى على 65% من الارض السورية، و ان 20% مما تبقى لا يسيطر عليها احد و لا توجد الحكومة الشرعية الا في النسبة المتبقية و هي محاصرة فيها .
و لكن و قبل اظهار الحقيقة التي ينبئ بها واقع الحال لا بد من ان نذكر بمعنى السيطرة وفقا للمصطلح عليه امنيا و عسكريا حيث ان صاحب السيطرة على منطقة ما هو الشخص القادر على اخضاعها لقراره، ثم وضع النظام الذي يسيرها به، و القادر على منع اي جهة اخرى من مشاركته في القرار و بشكل دائم، و اخيرا المتمكن من حماية المنطقة و تحقيق انتظام العمل فيها بشكل يستجيب لمقتضايات الهدوء الى حد معتبر .
و اذا طبقنا هذا المفهوم على الميدان ، فاننا نصل الى حقيقة ساطعة بان الجماعات الارهابية تتواجد في مناطق متعددة في سورية من الجنوب الى الشمال مرورا بالوسط مع تمدد نحو الشرق و انها قادرة على القيام باعمال ارهابية و تدميرية و اجرامية و هي تفعل ذلك بدون تردد، و لكنها لا تملك السيطرة على المناطق التي دخلتها، و في المقابل نجد و بكل تأكيد ان قوى الحكومة تقوم وفقا لظروف الميدان بمعالجة الوضع في هذه المنطقة او تلك و تتمكن من تطهيرها من المسلحين، و لكن و لاعتبارات عسكرية تتعلق باستراتيجية الجيش المبنية على ظروف الميدان و حجم القوى المعتدية و زخم الامداد فان الجيش لم يتبع نمط الدفاع الثابت و التمركز الدائم، ما يعني انه ينسحب من المناطق التي يطهرها بعد ان يكون قد اوقع بالارهابيين افدح الخسائر البشرية، و بعد هذا الانسحاب يتسلل الارهابيون مجددا الى المناطق ذاتها و يكرر الجيش عملياته .
هذا الواقع يقود الى توصيف مناطق القتال و بالمصطلح العسكري « مناطق اشتباك و و اختلال امن » و لا يمكن مطلقا توصيفها بانها مناطق سيطرة للارهابيين .انها و بكل تأكيد ليست مناطق سيطرة لانها لا تستجيب لمعايير ثلاثة لا بد منها حتى تصنف كذلك و هي، معيار الاستقرار الهادئ، معيار التنظيم المستمر، معيار الحماية و دفع التعرض . و اني اعتقد بان الغرب يدرك جيدا هذا الامر، لانه لو كان واثقا من تحقق السيطرة لكان اقام حكومة الارهابيين على الارض المسيطر عليها و نفذ عبرها من الاجراءات ما يمكنه من الاعتراف بها كسلطة على دولة، اعتراف يكون له عند ذلك مدلولات قانونية تتعدى الاعتراف الانشائي ب « الائتلاف المعارض » و هو اعتراف سياسي فلوكلوري لا يسمن و لا يغني من جوع حيث لا تترتب عليه اي مفاعيل قانونية، و لو كان له قيمة قانونية كما ذكرنا لكانت الجامعة المنقلبة الى عبرية بعد تعليق عضوية سورية فيها، لكانت قدمت مقعد الدولة السورية الى هذا المولود غير الشرعي، لكنها لم تفعل لانها لا تستطيع .
و بالخلاصة هنا نقول ان الجماعات المسلحة، تتحرك في مناطق سورية و ترتكب فيها الجرائم من قتل و تدمير و لكنها لم تصل الى مستوى السيطرة وفقا للمدلول السياسي او العسكري او الامني للعبارة. و المؤسف جدا ان نجد بعض قدامى العسكريين و بخلفية افقدتهم القدرة على استعمال علمهم العسكري، نجدهم يروجون للارهابيين في مجال السيطرة متجاوزين المفاهيم المسلم بها في القواعد الثابتة . و نقول ان السيطرة الحقيقية في سورية هي للحكومة الشرعية على معظم اراضيها من الساحل الى الوسط فالعاصمة و تمددا الى الاتجاهات الاخرى ، و ما اختل الامن فيه من مناطق يبقى مناطق اشتباك تعمل الدولة على استعادتها .
ب. اما في مجال المواقف الدولية فاننا نجد الفضيحة الاكبر في تحميل لفظ صدر عن مسؤول روسي بشأن الازمة السورية تحميله اكثر بكثير مما يحتمل، وصولا الى تفسيره تفسيرا مناقضاً تماما لطبيعة الموقف المبدئي الروسي بذاته، وصولا الى البناء عليه للانقلاب على اتفاقات وقعت و لم يجف حبرها . و مرة اخرى و وضعا للامور في نصابها فاننا نذكر بثوابت و بحقائق تتعلق بالازمة السورية و علاقة الدول بها، مواقف لا بد من اخذها بعين الاعتبار اذا اراد المعني بالشأن ان يتقدم لمواجهة المعضلة، و نذكر من هذه الثوابت النقاط التالية :
1) النقطة الاولى : ان الشعب السوري هو الجهة الوحيدة المخولة باختيار حكامه، و انه لم و لن يتقبل فكرة تعيين المفوضين الساميين، او فرض المشايخ و الامراء عليه، و بالتالي ليس الخارج هو من يحدد من سيحكم سورية و ان اتفاقات تعقد بعيدا عن الارادة السورية تبقى حبرا على ورق و لن تسلك طريق التنفيذ، و روسيا التي تعرف هذه الحقيقة تمسكت منذ البدء بها و اصرت على الحل السلمي للازمة الذي يتبلور عبر حوار بين مكونات الشعب السوري ، و هي لا زالت تؤكد عليها صباح مساء لاقتناعها بذلك و معرفتها بالمزاج السوري في عمقه .
2) النقطة الثانية : ان الجيش العربي السوري لازال يملك من القدرات المتعددة التي تمكنه من متابعة معركته الدفاعية بنجاح، و ان هذا الجيش الذي لم تؤثر فيه و في قدراته العسكرية الفعلية، كل الازمة و المواجهات منذ 21 شهرا، قادر على الاستمرار في الدفاع و باللياقة و القدرة ذاتها، خاصة ان التطويع و التجنيد مستمر لتعويض ما لحق بالجيش من خسائر بشرية، كما ان تعويض العتاد امر مازالت طرقه سالكه من الداخل و الخارج .
3) النقطة الثالثة : ان من تبقى من محور المقاومة، ثابت و صلب في مواقفه الدفاعية عن الذات و عن سورية و انه لن يسمح لاميركا و عملائها و باي صيغة او شكل باسقاط الحكومة الشرعية السورية بالقوة و هذا ما اعلنه صراحة المسؤولون الايرانيون في اليومين الماضيين .
4) النقطة الرابعة : ان روسيا التي احتلت خلال البيئة الدولية التي تشكلت بعد اندلاع الاحداث في سورية احتلت المرتبة المتقدمة دوليا و استعادت امجاد ما قبل انتهاء الحرب الباردة، تدرك ان نجاح اميركا في سورية و انتصار ادواتها التكفيرية و الارهابية، سيكون له تداعيات سريعة و مباشرة على الامن القومي الروسي، و ان روسية التي تعرف كل ذلك لن تغامر و لو بحرف واحد يمكن ان يساعد اميركا على الانتصار الذي يرتد عليها كارثة بكل العناوين و المعاني .
على ضوء هذه الثوابت نستطيع القول بان مسار الازمة في سورية لا يحدده هذا الطرف الدولي او ذاك منفردا و مستقلا عن إرادة الشعب السوري و قدرات الجيش العربي السوري، و رغم ان للمواقف الدولية اهمية لا ننكرها، فان اساس الصورة يرسم في سورية، و بالعودة الى الميدان و اخذا بالاعتبار لما ذكرنا من ثوابت نستطيع القول بان ادعاءات جبهة العدوان على سورية و بكل مكوناتها هي تخرصات باطلة و ان النصر الذي تحلم به هو امر لن تناله، لان الحل في سورية لن يكون الا سياسيا ينخرط فيه عبر الحوار من يؤمن بسيادة سورية و استقلالها و يعترف بالاخر وحقوقه دونما تكفير او ترهيب، و يرى ان السبيل الى ذلك هو الحوار مع الشريك في الوطن .
و حتى الوصول الى هذا الحل سيتابع الجيش العبي السوري معركته الدفاعية مطمئنا للانتصار، و لن يتوقف او يضيع وقته عند تأويل او دس تمارسه وسائل الاعلام المعادية في تشويه هذا الموقف او ذاك او اختراع هذا الحديث و تفسيره او تحويره، و ستترك سورية المعتدين يتخبطون في احلامهم التي تنهار و تتكسر على صخور الحقيقة، و ينفعلون عند الخسارة كما فعلت اميركا عندما اثنت على موقف روسي تتمناه فزورته حتى تستدرج روسيا اليه، و لكنها عادت و رفعت لائحة عقوبات بوجه روسيا عندما ردت عليها الاخيرة بقولها : « مع الاسف اني لم و لن اتغير » فالثبات في الموقف من سورية هو قرار لا رجعة فيه و لا مراجعة .
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي