ثورة أون لاين- خالد الأشهب:في اليوم التالي لآخر التفجيرات الإرهابية التي استهدفت جرمانا صباحاً قبل أيام، قال لي ورد إن ثلاثة من رفاق صفه في ذلك اليوم المشؤوم «حضروا الحصة الأولى.. في الجنة»!!
لم أسأل ولدي إذا كان ذلك التعبير عن رحلة رفاقه الثلاثة من تأليفه أو اختراعه، أو أن معلمة الصف قالت ذلك له ولرفاقه، ومع أن عيني لم تدمع.. وظاهر كفي لم يمسح أي دمعة سالت، لكني أحسست بوميض من نار يخترق صدري صاعداً إلى الحلق؟
قبل يومين فحسب، جلست أرقب قسمات وجهه وهو يتحدث عن الأطفال العشرين ضحايا الهجوم الإرهابي الذي شنه رجل أميركي على مدرسة ابتدائية في إحدى الولايات الأميركية في تغطيــة مباشـــرة للـ سي إن إن من موقع الجريمة، كان باراك أوباما يغالب بالكاد دموعه.. بدا حزيناً بائساً كما لو أن أحد أطفاله بين الضحايا، ومع أن أياً من دموعه لم تسقط إلا أنه مسح بظاهر كفه إحدى وجنتيه كما لو أنها سقطت، قدم تعزيته الحارة إلى أهالي الأطفال الضحايا وتعهد بعزم وشكيمة أن يعمل كي لا يتكرر ما حدث أبداً!
هي حقاً كارثة! أن يقتل عشرون طفلاً سواء أكانوا أميركيين أم أفارقة أم آسيويين أم غيرهم في لحظات على يد رجل ما، سواء أكان عاقلاً قاصداً متعمداً أم كان معتوهاً مختلاً، وهو أيضا أداء سياسي ممتاز أن يتفاعل رئيس الدولة مع الكارثة ومع أصحابها كما لو أنه أول ضحاياها، وأن يظهر لمواطنيه قربه الشديد منهم ومن آلامهم المقيمة أو الطارئة، وأعظم من هذا وذاك أن يفي الرجل بوعده فلا تتكرر مثل هذه الأحداث في أميركا سواء في عهده أم في عهد غيره… وسواء في أميركا أو في غيرها من بقاع العالم!
لكنني تساءلت وأنا دارس الفلسفة وعلم الاجتماع، والمتابع اليومي لما يحدث حول العالم بحكم طبيعة العمل الإعلامي.. كيف يمكن للعقل البشري أو للنفس الإنسانية أن ينطوي أي منهما على وجهين متناقضين تماماً في رجل واحد، وكيف يمكن لإنسان ما بعقل واحد وبنفس إنسانية واحدة أن يكون رقيقاً دمثاً داجناً وأليفاً.. ووحشاً قاتلاً في وقت واحد؟
وبوصفه أباً أولاً .. تساءلت عما تفعله طائرات أوباما من دون طيار وهي تقتل يوميا وبـ «الريموت كونترول» عشرات الأطفال في أفغانستان وباكستان، وعما فعله الآباء الأميركيون الطيارون وهم يلقون بالـ «العامل البرتقالي» على القرى الفيتنامية وأطفالها طوال سنين فيحيلونها ويحيلونهم رماداً، وعلى القرى الكورية وأطفالها، وعلى القرى الأميركية الجنوبية وأطفالها، بل على القرى والمدن العراقية وأطفالها.. ومع ذلك كله يقفون بخشوع أمام نعوش الجنود الأميركيين العائدة من المناطق التي شنت أميركا الحرب عليها.. ويا لكثرتها!! وكانوا أيضاً يغالبون الدمع ويمسحون وجناتهم بظاهر أكفهم؟
رفاق ورد من الضحايا، سواء أكانوا من السوريين أو الأميركيين أو غيرهم ذاهبون لحضور حصصهم الأولى في الجنة، لكن ثمة من سيذهب إلى جهنم وبئس المصير ليحضر حصته الأخيرة هناك .. ولو ذرف دمعاً ومسح وجنته بظهر كفه!!