ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
تتلاعب أميركا في تحريك أحجارها التي باتت بحكم الأمر الواقع مجرد أدوات، لا تصلح في كل الأحيان للاستخدام، ما أفضى إلى مشهد يكاد يكون جزءاً من مقاربة، تخضع فيها تلك الأدوات للمفاضلة السياسية حيناً، والوظيفية معظم الأحيان،
وهي ممسوكة بحسابات ومعادلات، يكون فيها منسوب الرضا أو الغضب خاضعاً للمزاج الرئاسي الأميركي وانفعالاته التي اعتقد البعض – وأحياناً راهن- أنها مجرد مشاريع فقاعات انتخابية، لكن سرعان ما اكتشف أنها جزءٌ من إستراتيجية أبعد مما توهم على الرغم من صعوبة أو استحالة إخضاعها للمنطق.
وعليه تمَّ استخدام أغلبها بشكل مزدوج، وأحياناً وفق مقولة تعدد الأوجه انطلاقاً من المشهد السياسي الراهن، حيث تعيد تراتبية الأدوار تبعاً للحالة السائدة ونوعية المهمة، وفي بعض الاستخدامات تكون تبعاً للظرف السياسي، أو وفقاً لنظرية العقاب والثواب التي تستخدمها أميركا بشكل فاضح، لإبقاء مختلف أدواتها تحت الضغط، ونجد الكثير منها تبادر إلى تقديم خدمات لم تطلبها أميركا، أو تكون سابقة في تطرفها وعدوانيتها للموقف الأميركي.
كل هذه الخيوط ارتبطت عملياً بالحالة الأميركية وموقعها داخل المشهد الدولي، حيث يرتفع منسوب الرضا والغضب تبعاً لمدى الارتياح الأميركي ومساحة استفرادها بالموقف الدولي، حيث يتناسب بشكل عكسي، وهو ما يفسر أحياناً الشكل الظاهري من الصدام مع التركي، ويجيب عن الأسئلة المتعلقة بالمفاضلة المتأرجحة بين مشيخات الخليج، وإن كانت في قسم منها مجرد إدارة للخلافات، أو عملية تنظيم لها لتحقيق أكبر قدرٍ من الابتزاز، وتقديم الرشاوى لنيل الرضا الأميركي.
وشكلت هذه الممارسة على المدى البعيد محاولة باتت بالعرف السياسي منهجاً وسلوكاً تصطف من خلالها المصطلحات لتنفيذ ما تريده الإدارة الأميركية، تحت وابل من القصف والقصف المتبادل، وتسجل على الدوام قسطاً كبيراً من الصياغات السياسية الموازية التي تحاكي في معظمها -إن لم يكن كلها- جوهر ما يجري من اصطفافات، تحقق قدراً من الانسيابية السياسية وصولاً إلى اللعب المزدوج على أطراف المتناقضات السياسية الدولية.
في خروجها الفظ على المستوى اللفظي من الرئيس ترامب، أو على مستوى السلوك الابتزازي، لم تكن أميركا حالةً منفردةً في التاريخ الإمبراطوري، فقد سبقتها إليه تقريباً جميع الإمبراطوريات السالفة، وخصوصاً في مرحلة الأفول، أو مع تباشيره الأولى التي شهدتها البشرية كجزء من الممانعة أو المكابرة في ظل الإدراك الحتمي، بأنَّ ما يجري يمهّد عملياً إما لنظام عالمي متعدد الأقطاب، وإما في أسوأ الحالات التحضير لقيام إمبراطورية بديلة وفق نموذجها الأول، يأخذ شكل الإحلال التدريجي، والآخر نموذج القسر في احتلال المساحة الموازية.
في المشهد الدولي ثمة إقرار خفي، بأنَّ بزوغ نظام عالمي جديد بات على المحك، والمؤشرات تقول بأنه في الطريق إلى الحضور المباشر، بحيث يتقاسم مع أميركا مراكز القوة والتأثير، وعلى العالم أن يتحضر بشكلٍ عاجلٍ لمرحلة انتقالية، يكون تعدد الأقطاب فيها أقرب إلى الواقع العملي، بحكم فائض الفارق بين الإمكانات الأميركية اقتصادياً ومجموع مراكز القوى المقابلة، وهو ما تراهن عليه أميركا باعتباره الضامن الزمني في وجه التحديات التي باتت أكثر من حقيقية في عالم السياسة على الأقل، وإن لم تكن بهذا الوضوح على المستوى الاقتصادي، وفي مجالات الهيمنة والاستلاب.
قدر المنطقة أن تكون في قلب الهيجان الأميركي، لكنه قدرٌ قابلٌ للتغيير والتعديل والتبدُّل، بدليل مجموعة النجاحات التي تحققت على مستوى المواجهة، والتي أدت في خلاصتها الأولية إلى فشل المشروع الإرهابي بصيغته الحالية، وإلى انكفاء الرهان على الشكل التقليدي منه، رغم التعويل على النموذج المطوّر، الذي يأخذ شكلاً من أشكال المرتزقة التي لا تكتفي بالدور التقليدي المعتاد، والذي سبق لأميركا أن أنشأت جيوشاً منه، بل يطور من حالة الارتزاق، ليكون رأس حربة في حروب أميركا القادمة، وهي تتحضر بحكم الضرورة القسرية للانتقال من حروب الوكالة إلى حروب الأصالة عن نفسها وعن أدواتها ومرتزقتها.
a.ka667@yahoo.com