ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير علي قــاسـم
بعد القرار الأممي كما هو الحال قبله، يفتح الحديث عن الخطط الأميركية تجاه سورية «شهية» الكثيرين على استنتاجات لا تقف عند حدود الخطة ورقم تسلسلها، باعتبار أن المتداول اليوم يعيد طرح ما سُمي بالخطة «ب» والانتقال الأميركي إلى مقاربات تعيد شرح وتفسير ما سبق منها وما قد يلحق بالتزامن مع حملة المجون الغربي،
حيث المشهد يزدحم حتى التخمة بأفكار ومعلومات ومعطيات حول السياسة الأميركية في المنطقة، تزيد من الالتباس وحدّة الغموض في قراءة التداعيات المرتبطة بهذه السياسة.
فالمسألة نشأت من تراكمات مفترضة كانت تقدم من خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة نماذج لا تخضع بأي حال من الأحوال للمحاكمة المنطقية، ونشأت على جوانبها مجموعة من الهوامش التي بالغت تلك الإدارات في الإضافة عليها من خارج النص، حتى غلبت على جوهر السياسة المعتمدة تجاه الأزمات التي تواجهها المنطقة، خصوصاً حين ترتبط بسلسلة لا تنتهي من الأطماع الموصوفة، التي حاكت ظرفية آنية مارست من خلالها أقصى مشاهد الاستلاب والهيمنة.
ويأتي الحديث متزامناً مع حالة من التصعيد والسعار الغربي وصلت إلى ما يشبه حفلات المجون السياسي، ولم تسلم منها منابر المنظمة الدولية، حيث تحول مجلس الأمن إلى ساحة التجاذب المحكوم برؤية غربية تعكس قراراً واضحاً بتغيير قواعد الاشتباك القائمة، كما تشي بنسف للتفاهمات السياسية التي كانت تحكم الموقف الأميركي، وعلاقته بروسيا تحديداً، حين دفعت إلى الجزم بحتمية تقديم مقاربة تتجاوز تلك التفاهمات، وتبحث عن أنماط جديدة من قواعد الاشتباك التي لا تأخذ بكل ما هو قائم، وتحاول فرض معادلات جديدة، والقرار الأممي هذه المرة كان الخيار الأخير للجم سياقات تتفجر على هوامش المسار الدولي، وفي زحمة السعار الغربي والهلع من هزيمة الإرهاب.
الواضح أن ما قبل الخطة الأميركية الجديدة يختلف إلى حد جوهري عمّا بعدها، بدليل أن ما تقدمه من طروحات ينسف المشهد برمته، وتتخلى أميركا عن الصياغات السياسية المعتادة، وتحاول فرض نماذج جديدة من التضليل تصل إلى حدود الخديعة المكشوفة، وتحديداً ما تعكسه استماتتها لاستصدار قرار يخص الغوطة الشرقية يستشف منه هوس أميركي بحماية الإرهابيين تحت أي بند، مستخدمة ذرائع البعد الإنساني طريقاً وأسلوباً للمراوغة والمتاجرة الرخيصة، تحت شعارات ليس من الصعب اكتشاف ذرائعيتها وتسييسها.
الفارق بين خطة أميركية قديمة وأخرى جديدة لا يتعدى في نهاية المطاف تغييراً تكتيكياً في المقاربة، واستبدالاً أهوج للمصطلحات والمفردات، بحيث تضفي بعداً سياسياً على المشهد بطابع ترويجي ودعائي فظ، مع إبقاء للأجندات القائمة، لكن بتورية تنتقل فيها من الوكالة إلى الأصالة، ومن التجريب العبثي إلى التجريب الطائش.. وصولاً إلى طروحات ذرائعية على نحو تكاد تقول قول المريب ذاته.
الخطير في المسألة.. أن أميركا بانتقالها إلى خطتها البديلة تقدم نماذج لسياسات قد تتخطى حدود اللعب بالنار على حد التوصيف الروسي، وتصل في بعض تجلياتها مرحلة إشعال النار وافتعال الحرائق الموازية لها، بحيث يصعب التفريق بين الأصيل والوكيل في مشهد ينقل المنطقة من حافة الهاوية إلى أتونها، رغم ما تتظاهر به من حالات تثاؤب مثيرة، تفرد من خلالها مساحة الاحتمالات الكارثية التي تنتظر المنطقة.
فالانتقال هنا يعني إقراراً ضمنياً وعلنياً بفشل ما سبقها، ولكنه بالمقابل لا يعترف ولا يقرّ بعبثية ما احتوته، وبخطورة ما مارسته قبل الانتقال، والأمر ينسحب على تعمّد وتجاهل المحظورات التي ينطوي عليها، باعتباره يستحدث أدوات ووسائل تضفي خطورة غير منظورة في العقل الأميركي، ويقدّم مقاربات تستوي معها النظرة الأميركية إلى المسموح والمحظور، وتتساوى معها الحروب المفتعلة سواء كانت بالوكالة أم بالأصالة، قبل القرار الأممي وبعده.
مساحة الخطر ليست مرتبطة بخطة أميركية بديلة فقط، فقد سبق لها أن بدلت في أولوياتها أكثر من مرة، وفي أدواتها ووسائل تنفيذها غير مرة، بل مكمن الخطر في التداعيات التي تحملها، حيث لا تكتفي بما انطوى عليه مشروعها الإرهابي، وإنما تراكم عليه عثراتها واستعصاءاتها لتكون جزءاً من التشفي الأميركي، وربما الانتقام، والأخطر من ذلك التهور في خطوات ظل ثقيلة لا تأخذ بمحددات قرار أممي ولا شرعية دولية وهو مالا تستطيع المنطقة تحمل تبعاتها، خصوصاً أنها وصلت إلى حالة من الإنهاك والهشاشة والقابلية للاشتعال بعود ثقاب من أحمق.. وما أكثر الحمقى في هذه المنطقة وخارجها..!!
a.ka667@yahoo.com