معاً على الطريق.. تسويات

من جماليات اللغة العربية، وحسن بلاغتها أنها قادرة على خلق الوهم الجميل، ودفع روح التفاؤل قدماً ومن المعروف أن الاستعارة لون من أجمل ألوان بلاغتها ناهيك عن التشبيه والكناية، وما تفتقت البلاغة عنه، ومن حسن حظ الكثيرين من مسؤولينا هذه الأيام أن بعضهم قد اطلع على مثل هذه الألوان، فعمل على استعمالها، وهذا لم يكن عيباً حين كانت العرب تقول: المفازة، رمزا للصحراء، تيمناً بمن يعبرها إذا ما وصل إلى نهاية المطاف فيها سليماً، بينما في الحقيقة هي مهلكة.

وكانوا يقولون: السليم، لمن لسعته، لدغته، أفعى أو عقرب، أيضا تيمناً بالشفاء، لكن هيهات أن يكون ذلك، بكل الأحوال، كان الحطيئة أيضاً عبقرياً عندما استخدم اسم الفاعل مكان اسم المفعول عندما هجا أحدهم وقال له: فأنت الطاعم الكاسي، بمعنى (المطعم المكسو)، أي من يعتمد في طعامه وملبسه على ما يقدمه الآخرون له، ولئلا نذهب بعيداً ونرهق مسؤولينا البلاغيين إذا ما كان أحد منهم يكلف نفسه عناء قراءة حال وأحوال الناس، همنا، حياتنا، آلامنا، ما لنا وما علينا، ويقف عندها لحظة ما، حتى لا نرهقهم بفعل ذلك، وبعضهم منكب ليلاً نهاراً على العمل من أجلنا، لا تراه يجد لحظة ما ليقف أمام عدسات التلفزة ليصرح بشيء ما، وهم الذين كانوا ما يعودون صيفاً من الساحل، حتى يلفوا عائدين إليه، لا لشيء، لا سمح الله ليس سياحة، ولا اصطيافاً، إنما شغف وحب للعمل، ولتكن نشرات الأخبار لهم.
وقد خمدوا الآن لأن الأمر تغير، حتى لا نرهقهم بالبحث عن كلمات غيرت معانيها، أو تشي بغير معنى، في حلب يقولون عن السرطان (هداك المرض) لأن الاعتقاد ما زال قائماً أن ذكر الشيء يعني استحضاره، وقياساً على هذا تفتقت عبقريات المسؤولين (بعضهم) عن فكرة اللعب على اللغة، يطل علينا مدير، معاون وزير (يكفي لهنا) ويقول: لا ارتفاع على الأسعار: الأمر تعديل، ليس ارتفاعاً وقس على ذلك، تعديل يطولك كل ساعة، النغمة الجديدة التي خرج بها علينا مسؤول رفيع في وزارة الصحة منذ أيام بتصريح لصحيفة محلية نافياً أي ارتفاع لأسعار الدواء: لا ارتفاع إنما تسوية، يالله، كم نحن الشعب بُلهاء، لا نفرق بين التسوية والارتفاع، وجاءت بلاغة المسؤول لتصحح المصطلح، وليكون الاطمئنان: لن تدفعوا شيئاً فقط تسوية؟؟؟
نعم، تسوية، كل من يراقب أسعار الدواء، وأنا منهم يفاجأ كل أسبوع بزيادة، عفواً تسوية، سعر قديم يشطب بخط اليد ويدون السعر الجديد، عشرات المرات ارتفعت أسعارها، في المرات الماضية كان المسوغ فرق الصرف، ان هذا الارتفاع سيكون محققاً لاستمراريتها، وبعدها كل شهر ( تعديل، تسوية…).
الحجة أن معامل الأدوية خاسرة، معقول في سورية من يخسر من أجلنا، حرام: التاجر يخسر، الصناعي، كلهم يخسرون من أجلنا نحن الشعب الثري، وحدنا الرابحون، ويضيف المسؤول الصحي: جهات عالمية أبدت دهشتها لانخفاض سعر الدواء عندنا؟
بالله عليك، لماذا لم تبد دهشتها لبلاغتك، وبلاغة الصمت التي تلف الجهات الرقابية، لا أحد يدفع الثمن إلا الفقراء، والتسوية الحقة أن يحاسب من يظن أنه عبقري يستغبي الناس، التسوية الكبرى أن نرى يد المحاسبة طالت الجميع، ولا بأس أن ينقص الربح قليلاً، كذبة القرن الكبرى أن تجارنا يخسرون… ببساطة: خسارتهم أن كل واحد منهم يضع رقماً فلكياً لربحه، فإذا لم يتحقق الربح كاملاً يعد الأمر خسارة من الربح… الأمر تسوية ننتظرها.

ديب علي حسن

التاريخ: الجمعة 3-8-2018
رقم العدد: 16753

آخر الأخبار
الأسعار الجديدة للكهرباء تشجع على الترشيد وتحسن جودة الخدمة  تعادل سلبي للازيو في السيرا (A) بايرن ميونيخ يشتري ملعباً لفريق السيدات ميسي يتحدى الزمن ويُخطط لمونديال (2026)  مونديال الناشئين.. (48) منتخباً للمرة الأولى ونيجيريا (الغائب الأبرز)  اللاذقية تُنظِّم بطولة الشطرنج التنشيطية  ملعب في سماء الصحراء السعودية سوريا في بطولة آسيا للترايثلون  "بومة" التعويذة الرسمية لكأس العالم تحت (17) سنة FIFA قطر  رسمياً.. سباليتي يخلف تودور مدرباً لجوفنتوس بطولة الدرع السلوية.. الشبيبة وحمص الفداء إلى المربع الذهبي "ما خفي أعظم" بين الناس والمؤسسات المالية والمصرفية !      السوريون يستذكرون الوزير الذي قال "لا" للأسد المخلوع   خطة الكهرباء الجديدة إصلاح أم عبء إضافي ؟   العثور على رفات بشرية قرب نوى في درعا  محافظ حلب ومدير الإدارة المحلية يتفقدان الخدمات في ريف حلب الجنوبي   "الاتصالات" تطلق الهوية الرقمية والإقليمية الجديدة لمعرض "سيريا هايتك"   إطلاق حملة مكافحة التسول بدمشق وريفها   لجنة مشتركة بين السياحة و مجموعة ريتاج لدراسة المشاريع الفندقية  غرفة صناعة دمشق توقع مذكرة تفاهم مع المجلس النرويجي للاجئين