ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير علي قــاسـم:
يتماهى الخيط الفاصل بين الابتزاز والتهديد بالعدوان، ويكاد يتلاشى وسط أحجيات وألغاز تصر الإدارة الأميركية كل مرة على اجترار المقاربة الفجة ذاتها، وتأخذ فيها المساومة منطق الابتزاز الرخيص الذي تحاكي من خلاله سياقاً لا يمكن تبرئة الغايات التي تقف خلفه،
سواء كان في المضمون أم اقتضت الحاجة الذهاب أبعد من ذلك في محاولة للتعميم الخاطئ في التعاطي مع المنطقة وخارجها، في وقت لا يخفى على أحد حجم المأزق الأميركي الذي يترجم الإلحاح على التعويض في الوقت بدل من الضائع.
فإدارة ترامب تحاول أن تعمم قواعد تعاملها على أسس سبق أن جربتها وكانت حتى اللحظة ووفق تراكم التجربة الأميركية ومعاييرها قادرة على الترويج لسياسة الابتزاز التي مارستها، بل ومجدية في بعض الأحيان بما فاق التوقعات، حيث لم تكن تعتقد أن استجابة المشيخات مثلاً ستكون صادمة إلى هذا الحد حين أضافت على المطالب الأميركية من خارج النص، وهو ما انسحب على الأوروبيين الذين رغم الضجيج المثار لم يخرجوا حتى اللحظة من عباءة الهيمنة الأميركية وحالة الاستلاب القائمة في تعرية للوهن الأوروبي والعجز عن امتلاك إرادة المبادرة.
تعميم التجربة على البقية الباقية من دول العالم لم يكن له النصيب ذاته، بل في بعضها كان يوصل إلى نتائج معاكسة، ومع ذلك لا تزال بعض الرؤوس الحامية داخل الإدارة الأميركية تراهن على عامل الزمن تارة، وعلى سياسة الترهيب تارة أخرى لتحقيق ما عجزت عنه بالمساومة والابتزاز الرخيص، وغالى بعض أركان إدارته في تجاهل حقيقة أن ما يصح في التعامل مع الأدوات الاميركية والتابعين لها لا يصلح ليكون أنموذجاً للتعامل مع بقية دول العالم، ورغم سلسلة التجارب التي جربت فيها أميركا غير مرة وتناوبت فيها من التهديد بالعدوان إلى الابتزاز، وصولاً إلى المساومة.
في هذه المرة.. تشحذ دول الغرب الاستعماري لائحة أطماعها البائدة، وسارع بعضها إلى قرع طبول الحرب بالتهويل والوعيد والأكاذيب المتورمة، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التصعيد أو بجولة من التسخين على أمل تحاكي من خلاله جملة الأباليس التي اعتادت على الاختباء خلف جيوب الأميركي وتحت ذراعه التي يلوح بها بالعدوان، في مشهد قد لا يحتاج للكثير من الشرح والتفسير، ولا يحتمل التأويل، وإن كان من الصعب حتى اللحظة الجزم المطلق بالخيارات التي تتجه نحوها النيات الأميركية، التي تخوض صراعات الداخل بأجندات الخارج.
أميركا اعتادت على رفع السقوف حين تريد أن تساوم من أجل ثمن لن تطوله، فما عجزت عنه بالإرهاب لن تناله بالتهديد والوعيد ولا بالابتزاز، وإذا كانت تصل إلى حيث تريد في تعاطيها مع أتباع وأدوات ومرتزقة، فإنها في مواجهة الإرادات والجبهات المفتوحة على صراع تأخذ فيها الاصطفافات نسقاً مختلفاً وسياقاً مغايراً، فالمواجهات القائمة بين رعاة الإرهاب ومنتجيه وحماته، وبين مقاومي الإرهاب، تكون المقاربة غير تلك التي تسوّق لها واشنطن، وقواعد الاشتباك غير تلك التي تنشدها، فيما تبقى سياسة التسريب لما يشاع من عروض مجرد خاتمة يائسة أوصلت السياسة الأميركية دائماً إلى الحائط المسدود، حيث المساومة هنا ليست خطاً أحمر فقط، بل إن التفكير بذلك قد يكون نوعاً من الهستيريا التي تندفع خلفها أقلام وحكايات لها أجندات وظيفية، وتكون في أغلب الأوقات خارج الهامش..!!.
a.ka667@yahoo.com