أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الجنوب السوري وفي أراضي الجولان المحتل، عاد الحديث مجدداً عن “اتفاقية فض الاشتباك” الموقّعة عام 1974 بين سوريا وإسرائيل، ففي الوقت الذي أعلنت فيه تل أبيب تخلّيها عن الاتفاقية عقب سقوط نظام بشار الأسد، تواصل دمشق المطالبة بالالتزام بها، في ظل تنديد دولي واسع بخرق إسرائيل لبنود الاتفاق والدعوة لاحترام القانون الدولي.
وخلال زيارة رسمية إلى دمشق، أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، جان بيير لاكروا، أن وجود القوات الإسرائيلية داخل المنطقة العازلة يُعدّ انتهاكاً صريحاً لاتفاقية 1974، مشدداً على أن القوة الأممية “أندوف” هي الجهة الوحيدة المسموح لها بالتواجد العسكري في تلك المنطقة.
وأشار لاكروا إلى أن “أندوف” تلعب دوراً حيوياً في حفظ الاستقرار وتنسيق التواصل بين الجانبين السوري والإسرائيلي، رغم صعوبة الظروف الميدانية. ولفت إلى أن تحسن العلاقات مع السلطات السورية الجديدة ساعد في توسيع عمليات البعثة، بدعم مباشر من دمشق.
من جانبه، كان أكد وزير الخارجية، أسعد الشيباني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا شويتسا، في دمشق، أن سوريا لا تسعى إلى الحرب، وأنها لا تزال ملتزمة باتفاقية فض الاشتباك رغم التصعيد الإسرائيلي المستمر براً وجواً في الجنوب.
وأشار الشيباني إلى أن “الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تمثّل انتهاكاً للسيادة السورية، وتشكّل فرصة للجماعات المتطرفة التي تهدد أمن البلاد”، مجدداً دعوة بلاده إلى تفعيل اتفاق 1974.
ما هي اتفاقية فض الاشتباك 1974..؟
وُقعت اتفاقية فض الاشتباك في 31 مايو/أيار 1974، بعد وساطة أمريكية قادها وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، على خلفية حرب أكتوبر 1973، وهدفت إلى فصل القوات السورية والإسرائيلية على جبهات الجولان والقنيطرة، وتثبيت وقف إطلاق النار وفق قرار مجلس الأمن 338.
نصّت الاتفاقية على إقامة منطقتين مفصولتين بخطين يعرفان بـ”ألفا” و”برافو”، مع منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة. كما منحت “أندوف” صلاحية مراقبة وقف إطلاق النار وفض الاشتباك.
وتبلغ مساحة المنطقة العازلة نحو 235 كيلومتراً مربعاً، بعمق يتراوح بين 500 متر و10 كيلومترات، وتمتد بين مرتفعات الجولان وسوريا، ويشرف عليها حوالي 1250 فرداً من قوات “أندوف”، يتم تجديد ولايتهم كل ستة أشهر بموجب قرار مجلس الأمن رقم 350.
الانسحاب الإسرائيلي من الاتفاق
في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت إسرائيل رسمياً انسحابها من الاتفاق، وبدأت باحتلال منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة، وصرّح حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “الجنود السوريين تخلّوا عن مواقعهم”، مؤكداً أنه “لن يُسمح لأي قوة بالتموضع قرب الحدود”.
وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية، بدعم من مجلس “الكابينت”، أوعزت للجيش بالسيطرة على كامل المنطقة العازلة، وتزامن ذلك مع الانهيار العسكري للنظام السابق وسيطرة قوى الثورة على أجزاء واسعة من سوريا، بينها العاصمة دمشق.
موقف دولي وتحذيرات
سبق لمجلس الأمن الدولي أن أعرب في عام 2018 عن “قلقه العميق” من احتمال اندلاع نزاع جديد جراء الانتهاكات المتكررة في المنطقة العازلة، وأكد ضرورة منع أي نشاط عسكري فيها من أي طرف كان، بما في ذلك القوات السورية.
وفي أكتوبر 2024، شدد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، على أهمية بقاء “أندوف” لضمان الاستقرار، وحثّ الطرفين على الالتزام التام بالاتفاقية.
في ضوء التطورات الراهنة، تبقى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 حجر الأساس لضمان عدم الانزلاق نحو تصعيد عسكري جديد في الجنوب السوري، وبينما تصر دمشق على التمسك بها، تواصل إسرائيل فرض واقع جديد على الأرض، في مشهد يهدد التوازن الأمني الهش ويضع مستقبل قوة “أندوف” على المحك.