هي طبيعة الحياة نمو وازدهار ومن ثم شيخوخة لابد منها.. هذا واقع الحال منذ أن كان العطاء الإنساني.. وبالتأكيد لايمكن الانسان أن يبقى بكامل قوته وعطائه.. وبما أن الثقافة هي نتاج انساني معرفي منذ أن وعى هذا الكون حوله فهي تمر بحالات ازدهار ومن ثم قد يصيبها ما يصيب الإنسان من شيخوخة وترهل اذا لم تتولد الأجيال وتخصب ما تقدمه.. وفي محطات الابداع الكثير مما يمكن أن نعرض له لاسيما عند الشعراء والمفكرين، كثيرون منهم وصلوا إلى مرحلة النضوب فيما هم فيه.بل إن بعضهم حين اصر على المضي قدما بذلك جاء عطاؤه جافا مريضا سقيما لا يحمل ماء الحياة..
وقد عبر عن ذلك الأخطل الصغير حين قال:
اليوم أصبحت لا شمسي ولا قمري
من ذا يغني على عود بلا وتر
ونجيب محفوظ فيما نشر عنه من قصص قصيرة قيل انها أحلام.. بدت مفككة لا معنى لها.. وفي السياق نفسه كنا نقرا الكثير من زوايا الماغوط وتامر.. وغيرهم.. ويتحدث بعض النقاد عن انحدار مستوى الموضوعات عند القروي.
اليوم ونحن نعيش ما نعيش في سورية.. ما يشكل موضوعا خصبا للابداع والثقافة والفعل الفكري.. لكن الواقع كان عكس ذلك تماما..
لقد دخلنا شيخوخة ثقافية مضى عليها سبع عجاف.. لم تنفع مؤسسات ثقافية كبرى بتخصيب الدور على الرغم من وجود بنية أساسية منتشرة بكل الجغرافيا السورية.
ولكن لابد من الإشارة إلى أن ثمة بؤر فعل حقيقي استطاعت تخصيب عطائها كما فعلت الهيئة العامة السورية للكتاب..
شيخوخة ثقافة أم مؤسسات ترهلت..؟
بكل الاحوال ونحن نقترب من استحقاقات كثيرة من عقد مؤتمرات وغير ذلك فلا بد من إعادة التذكير أن الترهل كاد يطيح بكل شيء.. ومع كل ما كتبنا عنه ظل من يعنيهم الأمر صامتين..
ويمكن للمتابع أن يشخص الكثير من علامات الشيخوخة هذه يمكن أن نشير إليها بإيجاز ونضعها أمام من يهمه الأمر ولكن هل سيلقى الامر صدى؟.
لقد تحولت الكثير من المؤسسات الراعية للفعل الثقافي إلى مكاتب علاقات عامة زيارات ومضافات لمن يهلل لاداراتها.وضعف التواصل والتفاعل بين أعضائها فبدلا من أن تكون مكانا لفعل النقاش والعطاء والتفاعل بدت اقرب الى مايجري في الجلسات النسائية ثرثرة ونميمة على عكس ما كان يوما ما..
وبدلا من التفاعل مع المجتمع وقيادته فكريا غدت هذه المؤسسات بما فيها من ثرثرات غدت محل تندر وحديث العامة وبصراحة مطلقة كان البعض يقول اذا كانت هذه نخبنا الثقافية والفكرية فما العتب..
نعم لقد تحول الكثيرون منهم إلى ابطال استعراض إعلامي.. لاشيء غير الوهم وبيع الشعارات متابعة ومراقبة هذا وذاك.. وليتهم ينتفعون بما يقدم من ملاحظات..
ومن ثم لابد من الإشارة إلى شللية المحسوبيات وطغيان المحسوبيات عند من يقود العمل الثقافي وهذا كله يعني انعدام الروح الوطنية وعدم الشعور بالمسؤولية الكبيرة التي هم مكلفون بها.. ومن أجل التمويه على ذاك قفزوا إلى شعارات براقة..
وغاب الفكر النقدي الحقيقي الذي يصوب ويقوم ويقود وطغى الاني والزائف الذي لا يدوم.ولا يمكن أن ننسى إن ساهم بهذا الواقع الرديء.. بما يقوم به البعض.. من ترويج الزائف وإبعاد الأصيل.
ناهيك بضعف مردود ناتج الفعل الثقافي والفكري وتحول الجميع إلى نزعة الاستهلاك وعدم العمل على تطوير الذات والقدرة على الخروج من شرنقة الانا..
وربما يكون خلاصة القول: إن المثقف يسعى أن يكون قائدا اداريا وسياسيا وأول ما يفعله حين يصل إلى ذلك اجتثاث من أتوا به..
وقطع السبل التواصل والانغلاق والعيش بوهم انه الانا الاعظم فلا شيء الا له اسمه.. وهنا الكارثة لانه يظن أنه جاء إلى حيث هو مكافأة له ومكانه مغنم ومكسب وعلى الكل التسبيح بحمده..
هذه امراض تنخر من يفترض انهم صناع ثقافة وفكر.. وثمار الصانع تدل عليه..
أيها السادة المسؤولون قفوا مع الثقافة مع الفعل ناقشوا الامور بصراحة وثقة.. نريد مؤتمرا ثقافيا يشخص ويضع الدواء.. هل نفعل؟؟؟
ديب علي حسن
d.hasan09@gmail.com
التاريخ: الاثنين 11-2-2019
رقم العدد : 16906