الثورة أون لاين – ليندا إبراهيم:
كقارئة وككاتبة..أنا على يقين تام بأن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الرفيع، ومع اضطهاد المرأة تاريخياً، وإلحاقها بالرجل اقتصادياً وسياسياً وبالتالي اجتماعياً، وانعكاس هذه النظرة وهذا الواقع على المعاملة ضمن الأسرة، فقد انعكس هذا تأخراً في ظهور الكاتبات والروائيات والشاعرات والأديبات بشكل عام…فلم تكن فكرة الكتابة باسم امرأة أمراً هيناً، بل لطالما نشرت باسم مستعار كي لا ينقلب عليها المجتمع، وقد بدأت بوادر الكتابات الأدبية النسوية كنتيجة لحركات التحرر المطالبة بحقوق المرأة قديماً، ولأن المجتمع المدني في الغرب كان سباقاً في هذا الأمر، فكان من الطبيعي أن تبدأ تجربة الكتابة النسوية لديهم بشكل مبكرٍ أيضاً، وقد كان هذا الأمر جديداً بعض الشيء على المجتمعات العربية، الأمر الذي أدى إلى النظرة “الدونية”، الاستعلائية، لأدب المرأة، ليصنف تالياً لأدب الرجل، ونقصد هنا المؤلفات الصادرة عن كليهما، بغض النظر عن المضمون إن كان مضموناً نسوياً أم ذكورياً.
وقد ظهر مصطلح “الأدب النسوي” في فرنسا سبعينيات القرن التاسع عشر، آخذاً مساحة كبيرة وهامشاً واسعاً في التداول والنقاش داخل الساحة الثقافية، هادفاً في المقام الأول إلى تعرية الواقع الذكوري والمجتمع الأبوي، وإماطة اللثام عن قضايا المرأة المسكوت عنها، إلا أن النظرة العامة بقيت تربط بينه وبين ما تكتبه النساء بغض النظر عن المضامين المتداولة.
ومع الثورة التكنولوجية، وحركات التحرر في مطلع وأواسط القرن الماضي، فقد انطلقت المرأة من قمقمها كالمارد تثبت كيانها وتدافع عن حقها المسلوب، فدخلت المدارس والجامعات والوظائف الحكومية ، وشاركت في التظاهر وحروب الاستقلال، مُؤَسِّسَةً موضعَ قدم لها في مجتمع جديد، لا زال الرجل يحكم بقبضته الفكرية الأبوية الذكورية عليه، ولو بجُزُرٍ آخذة بالنقصان، فعانت وضحَّت وأفصحت عن كينونتها ولو بشكل خجل وحذر لكن بعضهن أثبتن صرخاتهن في مجتمع آخذ بلون واحد ليعلنَّ أنهن شريكات في الحياة وفي صنع الحياة.
وأعود للمصطلح..” الأدب النسوي” ، ومع مطلع دخولي مضمار الكتابة والأدب، فقد سُئِلْتُهُ مراراً وتكراراً وكنت ألمس الإجحاف في السؤال وطريقة طرح الفكرة وبالوقت نفسه الاستهانة من قبل بعض الأديبات بهذا الطرح واستساغتهن له.. وأذكر أنني راهنتُ حينما تقدَّمتُ لإحدى الجوائز العربية المفتوحة فقط على المشهد الأدبي النسوي العربي وهي الجائزة الموسومة باسم رائدة القصيدة الحرة “قصيدة التفعيلة” الراحلة الكبيرة “نازك الملائكة”، راهنتُ بأنني سأتقدم بنص لا يمكن تمييز جنس كاتبه، لولا أن الجائزة موسومة باسم الأديبات في الشعر والقصة والنقد ، والمشهد النسائي العربي، وتعويلي كان على أن النفس الإنسانية واحدة والسر في الذات الشاعرة لدى الجنسين، الذات الموهوبة الحساسة المعطاءة، وبقي التصنيف لينحصر في تقديري بطريقة التناول ومضمونه، وكان شاهدي دائما أنه كم شعراء رجال كتبوا عن المرأة وباسمها أكثر مما أفصحت عنه المرأة الأديبة الشاعرة نفسها، والعكس صحيح، وكثيراً ما كان يختلط هذا المفهوم بربطه بجنس كاتب النص أو كاتبة النص، لكن سرعان ما كان يتلاشى هذا القول تحت وقع روايات وقصص كتبها رجال تناولوا قضايا المرأة بكل تحرر وتفرد وعقلانية ومسؤولية في الطرح.
وهذا ما ميزته بعض الكاتبات والناقدات والكتاب والنقاد من أن ثمة خلطاً بين مصطلح الأدب النسوي، والأدب النسائي، هذا غير شيوع الاعتقاد بأنهما الشيء نفسه، ولكنني أميل للتمييز بأن الأدب النسائي يأخذ اسمه ومضمونه باعتباره العمل الذي ينسب لامرأة بالمعنى البيولوجي للكلمة لا أكثر، وهو هنا لا يعبر عن فكر خاص بالنساء، فليس كل ما تكتبه المرأة يعتبر أدباً نسوياً، فالأدب النسوي هو الذي يحمل فكراً ورؤية أنثوية نسائية بغض النظر عن جنس كاتبه، فنجد كما أسلفنا نتاجات لرجال كتاب وأدباء يحملون الفكر النسوي ويعالجونه ويهتمون لقضايا المرأة ، وينتصرون لهمومها .
أما في العقد الأخير فقد شهدنا ارتفاع موجة الكتابة النسوية، وازدياد عدد الكاتبات الإناث في شتى أنواع الكتابات، بل وتميز نوعي لدى نفر غير قليل منهن في الإفصاح عن مشاعر الأنثى وهمومها وقضاياها الأمر الذي ساعد عليه الانفتاح العالمي المجاني على النشر الإلكتروني وتبادل التجارب واحتكاك الخبرات وتلاقح الأفكار… بل والجوائز التي باتت تتصدرها أسماء نسوية عربية دولية وعالمية هامة