المـــــــــــــــخاطر الكبيــــرة جعــــــــل شـركات التأمين تحجـم عنه .. التأميـن الزراعـي.. لا يزال مستبعداً من جدول شركات التأمين العامة والخاصة!!
الكوارث الطبيعية والظروف المناخية التي تواجه القطر في كل عام وتلحق الاضرار الكبيرة بكل المحاصيل الزراعية والتي تصل الخسائر فيها الى المليارات احيانا, و الامراض والأوبئة التي تحل بالثروة الحيوانية والنباتية جعلت المزارعين والفلاحين يطلقون صرخة استغاثة طالبوا فيها الجهات المعنية بالعمل على اصدار قانون يعنى بالتأمين الزراعي او الزام شركات التأمين العامة والخاصة بالأخذ على عاتقها تطبيق هذا النوع من التأمين, الا ان هذه الصرخة لم تسمع حتى الان ولعل سبب ذلك يعود الى المخاطر الكبيرة التي لايمكن لشركات التأمين تحملها نتيجة أعبائها المالية الضخمة، ومن هذا المنطلق كان لابد من التقصي حول عدم تطبيق هذا النوع من التأمين على أهميته.
المهندس «إياد زهراء» مدير عام المؤسسة العامة السورية للتأمين قال:في كل تجارب الدول لاسيما دول منطقة حوض المتوسط التي نشطت في هذا النوع من انواع التأمين وفي كل الدول العربية المحيطة بدأت بإعداد هذا النوع من انواع الانشطة من خلال صناديق التأمين الزراعي او التعويض على المتضررين وفق اولويات تحددها خطة اي دولة او خطة وزارة الزراعة فيها لتحديد نوعية المحاصيل الواجب حمايتها فيما اذا كانت محاصيل خاصة للتصدير او للصناعات الزراعية او محاصيل تحقق العائد الايجابي للخزينة العامة, او اذا كانت محاصيل اساسية تحقق الكفاية او القوت الاساسي للشعب, وذلك لناحية تحديد المساحات المزروعة, او لجهة محاصيل مرتبطة بالسياسة الغذائية.
وأضاف زهراء ان الخطة التي تتبناها اي حكومة او دولة يجب ان تكون وفق دراسات وصفية وتحليلية معمقة تتعلق بالمخاطر ولاسيما لدينا في سورية حيث كنا في مرحلة ما, نزرع القمح ووصلنا الى رقم كبير في المحصول والى مرحلة التصدير, وكذلك زيت الزيتون والبندورة التي دخلت ضمن الصناعات الغذائية والمنتجات الخضرية ووصلت الى مرحلة التصدير, والفاكهة والحمضيات ايضا وتم تحقيق العوائد, وكذلك التبغ الذي لايزال تحت رعاية الدولة وبإشرافها وزراعة الاقطان وتصنيع الغزول, حيث تحولت سورية الى رقم في تصنيع الخيط والصناعات النسيجية, مبينا ان كل هذه المطارح تدرس كمساحات محددة, وتحديد مصادر الري, بمعنى يجب ان تكون الزراعة مبنية وفق اسس علمية حقيقية لناحية طرق الري والمكافحة والحماية والاشراف المباشر من قبل مؤسسات مهتمة بهذا الموضوع (كوزارة الزراعة التي لديها الوحدات الارشادية, واتحادي الفلاحين وغرف الزراعة) مبينا ان هذه منظومة متكاملة من العمل, حيث تشترك مصلحة كل هذه المجموعات لاستدامة هذا النوع من الانتاج الزراعي وخاصة في بلدنا الذي يتمتع بتنوع طبيعي غني, ولدينا السدود التي بنيت بشكل صحيح وتم الاستفادة من المياه التجميعية وتحقق جزءاً وعائداً جيداً, الا ان الحرب دمرت مادمرت ويتطلب منا العودة الى اعادة ترميم الزراعة والصناعات الزراعية.
وقال: من المهم جدا خلال السنوات الثلاث القادمة ان تتم دراسة هذه الامور بشكل صحيح وتحديد الاولويات كمواد مدعومة ومواد غير مدعومة.
وحسب رأي زهراء ان التأمين يجب ان يبنى على قواعد وبيانات احصائية حقيقية تتوافق مع أسعار التكاليف الحقيقية, مع استقرار سعر الصرف و يجب ان يكون ايضا التعويض مدروسا و الشركات قادرة على دفع التعويض, وان يكون مستقرا ومستداما وليس فقط ان يتعرض الى خسائر كارثية في سنة واحدة وفي العام القادم يتم الخروج من دائرة التعويض ومن دائرة اكتمال هذه الدورة من دورات الاقتصاد.
وأضاف: ان اهم شيء في هذا الموضوع دقة البيانات والإشراف الكامل من قبل جهات حكومية ومراكز رصد لتسجيل الاضرار بشكل حقيقي وتحديد المساحات المزروعة كما يهمنا نقطة الحيازة, والاراضي, والتداخل في الاراضي التي لدينا فيها مشكلة, والخروج عن الخطة الزراعية التي فيها مشكلة ايضا, وربط الانتاج بالصناعات الزراعية وهو عامل مهم جدا حتى لايحدث فائض في المحاصيل, والا سيكون لدينا هدر, اضافة الى ان شركات التامين ستقوم باستيفاء الاقساط, والاقساط ستحسب بناء على نتائج من ثلاث الى خمس سنوات, وان توفرت اعادة التأمين سوف يكون انخفاض في سعر الاقساط وان لم تتوفر سوف يكون لدينا بدائل, والبدائل مرتبطة بدعم الدولة بشكل مباشر للأقساط.
وقال: عادة الدول التي طبقت التأمين الزراعي بعد تجربة الصناديق يمكن ان تصل مساهمة الدولة في الاقساط الى ٥٠% مع مساهمة المزارع لتجميع القسط, وايضا الدولة تساهم مع شركات التأمين في حال حصول التعويضات الكارثية عند تجاوز سقوف معينة فانه يمكن ان تساهم هذه المخصصات بنسب تعويض قد تصل الى ٦٠%حسب الاهمية التي تحددها الخطة العامة للدولة في هذا الموضوع وانه سيكون هذا الدعم لسنوات محددة, لذلك فانه لابد لهذه الشركات ان تتمتع بإعفاءات ضريبية وتسهيلات استثمارية كبيرة وكل من له علاقة في دورة الانتاج يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تحمل الاقساط ابتداء من شركات التصدير التي تصدر الصناعات الزراعية وصولا الى استيراد المواد الاولية للصناعات الزراعية والمواد الاولية اللازمة للزراعة, من مبيدات وأسمدة وبذار, لافتا الى ان كل ذلك سيساهم بشكل مباشر وغير مباشر من خلال فرض رسوم لتكوين الكتلة النقدية اللازمة للتعويض الجزئي وليس التعويض الكلي, وعادة كل انواع التعويضات تكون على التكاليف وليس لناحية الربح, وذلك بغية عودة المزارع من جديد لاستثمار ارضه بشكل صحيح.
ارتفاع عامل المخاطرة
بدوره مدير المركز الوطني للسياسات الزراعية المهندس رائد حمزة اوضح ان القطاع الزراعي يتميز عن سواه من القطاعات الإنتاجية بارتفاع عامل المخاطرة فيه وبدرجة مرتفعة نسبياً من عدم الموثوقية, وهذا بسبب اعتماد العمليات الإنتاجية في هذا القطاع على الظروف الطبيعية والمناخية من جهة وبسبب كون قسم كبير من منتجاته سريع التلف وغير قابل للتخزين لفترات طويلة من جهة أخرى, وهو ما يؤدي إلى عدم المرونة في عرض هذه المنتجات وبالتالي إلى تقلبات سعرية حادة مستمرة.
وبين ان فكرة التأمين الزراعي تأتي كحل عملي فعال لمشكلة عامل المخاطرة المرتفع وظاهرة عدم الموثوقية وتوزيع المخاطر بين المستفيدين من التأمين, وعالمياً يعد التأمين جزءاً أساسياً من استراتيجيات إدارة المخاطر الزراعية, وتمثل فكرة التأمين نوعاً من تقاسم المخاطر بين الجهة المؤمِنة والجهة التأمينية بحيث تتحمل هذه الأخيرة نسبة يتم الاتفاق عليها من الخسارة في حال وقوعها. ويسهم التأمين الزراعي بفعالية في استقرار وتوسع الإنتاج الزراعي وزيادة الكفاءة الإنتاجية كما أن له كذلك دوراً في مكافحة التضخم على مستوى السياسات الكلية.
وأكد حمزة انه, يمكن للتأمين الزراعي بشكل أساسي أن يتوجه إما نحو التأمين ضد المخاطر الطبيعية والكوارث أو التأمين ضد انخفاض الأسعار (أو كليهما معاً) أو ضد كل المخاطر بشكل عام. ويعتمد مقدار الدفعات التى تدفع للجهة المؤمّنة كتعويض على نسبة الضرر في المنتج الزراعي أو على عتبة سعرية معينة وبشكل متدرج, وذلك وفقاً لنسبة التغطية التي يتفق عليها في العقد التأميني, وهنا لابد من حساب دقيق واختصاصي لمقدار الأقساط التأمينية التي يتوجب على الجهة المؤمّنة دفعها بحيث تكون كافية بالحد الأدنى للتأمين ضد احتمالية المخاطر الطبيعية والسعرية وبنفس الوقت تكون الجهة التأمينية رابحة وتكون العملية مجدية اقتصادياً, وهنا تجدر الإشارة إلى أن البنية التنظيمية الأكثر فعالية لمسألة التأمين كانت تلك التي اعتمدت نموذج التأمين التجاري أساساً لها.
ولفت حمزة بوجود اهتمام كبير من قبل الحكومة لمسألة التأمين الزراعي وضرورته, إلا أن إقرار التأمين الزراعي يحتاج الى دراسات وصفية وتحليلية معمقة تتعلق بالمخاطر التي يتعرض لها القطاع الزراعي.
الاولوية لترميم القطعان
من جهته المهندس يحيى المحمد مدير غرف الزراعة بين ان متطلبات التامين في هذه المرحلة بالنسبة للثروة الحيوانية من أغنام وابقار هو البدء بترميم القطيع الذي فقدت اعداد كبيرة منه نتيجة الحرب الكونية على سورية وبالتالي نحن بحاجة الى التأمين على الثروة الحيوانية بهدف اعادة اعداد القطيع الى الشكل الذي كانت عليه قبل الازمة.
وبين انه ونتيجة ظروف الحرب اصبح المزارعون غير قادرين على الدخول في دورة الانتاج من جديد نتيجة خروجهم من الانتاج بسبب الخسارات المتراكمة خلال سنوات الحرب وبالتالي اصبح المزارع بحاجة الى الشعور بالأمان والشعور بقلة المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها.
ويحتاج الى التامين على محاصيله مبينا ان شركات التأمين تحجم عن التامين الزراعي لارتفاع نسبة المخاطر من (ظروف جوية وآفات وأمراض ومخاطر سعرية نتيجة تقلبات السوق) وبالتالي نحن بحاجة الى ان تكون الممارسات الزراعية مبنية على اسس علمية مدروسة بحيث تقلل المخاطر ما أمكن (المخاطر الممكن السيطرة عليها) ويجب ان يكون هناك توثيق حقيقي للنشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني, و توظيف مشاريع التأمين بما يخدم الخطة الزراعية والتوجه الزراعي لدى الحكومة.
وبين ان اتحاد غرف الزراعة لديه تجربة جيدة في موضوع التأمين على الثروة الحيوانية من خلال انشاء صندوق خدمات الماشية, موضحا ان العمل في هذا الصندوق كان جيدا من قبل مربي الثروة.
وبالنسبة للشق النباتي اوضح المحمد انه يوجد لدينا اكثر من دراسة للتأمين على محاصيل معينة في مناطق محددة لمحصول التفاح في السويداء والكرز في ريف دمشق الغربي بحيث تكون التجربة في مناطق محدودة وبعد ذلك يتم اخذ دروس مستقاة من هذه التجربة ومعرفة النقاط الايجابية والسلبية فيها ومن ثم يتم تقييم هذه التجربة في حال نجاحها على عدد من المحاصيل.
واكد ان المشاكل التي تواجه التأمين في الواقع الحالي تتلخص في ضعف الامكانات المادية التي يحتاجها التأمين لدى الشركات التأمينية (مشاكل التمويل) والحاجة الى قواعد بيانات موثوقة من حيث انتشار حيازات المزارعين وملكياتهم.
أخيراً
لابد من القول انه على الرغم من كل المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها القطاع الزراعي فانه لابد من تطبيق التأمين الزراعي لجهة تثبيت الفلاح بأرضه وتمكينه منها خاصة اننا بلد زراعي يعتمد اقتصاده على الموارد التي يتيحها هذا القطاع الامر الذي يستلزم تقديم الدعم الحكومي مناصفة مع الفلاح بحيث تتشجع شركات التأمين لتبني هذا النوع من التأمين عندما تجد ان الدولة تتحمل مع الفلاح جزءاً من المخاطر اضافة الى ضرورة اصدار تشريعات خاصة و ان هناك مشروع قانون للتأمين الزراعي تعده وزارة الزراعة.
تحقيق: وفاء فرج
التاريخ: الجمعة 15-2-2019
رقم العدد : 16910