«لدينا قوانين، ولكن لا يُوجد لدينا مَعايير وآليات .. وإذا كانت مَوجودة فهي ضعيفة أو غير سليمة».
في هذه المَقولة «الجُزئية» المهمّة من كلمة السيد الرئيس بشار الأسد الشاملة، التي ألقاها خلال لقاء سيادته مع رؤساء المجالس المحلية، حيث حدد بدقة مَلامح المرحلة المُقبلة، ورسم بمَنهجية ما ينبغي القيام به من واجبات لتَصويب الكثير من المسارات والمفاهيم، وعبّر برؤية ثاقبة عن المُستقبل، تَحدياته والطموح بجعله أفضل. في هذه الجُزئية من الكلمة المهمة وصفةٌ سحرية لمُعالجة كل المُشكلات التي تُواجه مُجتمعنا، وللارتقاء بالأداء إلى مُستويات أُنموذجية أو مثالية.
السيدُ الرئيس أتى مرات عديدة على إظهار أهمية تطوير القوانين والتشريعات، وقد شهدت سورية مَطلع الألفية الثالثة حركة غير مَسبوقة لجهة إصدار وتطوير ومُراجعة وتعديل القوانين والتشريعات المُتصلة بجميع جوانب الحياة اليومية للمواطن، والمؤسسات الحكومية، وبما يُلبي مُتطلبات التنمية والاستثمار وتَحسين الخدمات، وبما يَجعل العمل أكثر سرعة ورشاقة وإنتاجاً، وأقل روتيناً وبيروقراطية.
للأمانة، فقد قَطعنا خلال سنوات قليلة جداً شوطاً جيداً في أتمتة أغلبية القطاعات، وجرى تسجيل إضافات نوعية بالعمل المؤسساتي، صار معها الوضع أفضل بكثير، وكنّا في مكان آخر اليوم لولا الحرب الظالمة التي تَعرض لها وطننا منذ 2011 ذلك أنّ زَخم العمل آنذاك نَقَلَ سورية إلى مواقع مُتقدمة بتسجيل مُعدلات نمو كانت كفيلة على أقل تقدير بجعل مُجتمعنا يَقطع خطوات نوعية في كل الاتجاهات.
لا يَخفى على أحد أنه في تلك المرحلة، تمّ إطفاء الديون الخارجية لتصل إلى الصفر، فضلاً عن تحقيق الاكتفاء الذاتي بمجالات حيوية مُتعددة، انعكس ذلك تحسناً على الحياة المعيشية، حيث الوفرة بالمواد والفوائض بالإنتاج، وحيث تلاشت مُعدلات التضخم، وحيث سجّلت أسعار الصرف تراجعاً لمصلحة الليرة السورية، بل كانت كل المُؤشرات تؤكد صلابة اقتصادنا وقوته التي يُعززها التنوع والغنى.
أذكر أنّ السيد الرئيس في أحد اللقاءات مع كوكبة من الإعلاميين، عام 2006 – أغبط نفسي أنني كنت بينهم – قال في سياق طرح مُوجبات إعادة النظر بأحد القوانين: نحن من يَضع القوانين ونحن من يُعدلها لتُلبي حاجتنا، فعندما تتوافر المُوجبات وتَقتضي الضرورة فما من أشياء مُقدسة، بمعنى أنّ سيادته أراد لنا أن نُدرك أنّ القانون يَبقى مُقدساً بالتطبيق إلى أن تبدو الحاجة لتَعديله كي يَستجيب للحالة التي تُواجهنا، فيَجري ذلك فوراً بشرط ذكر الأسباب المُوجبة والمُعللة.
مُجرد ذكر الأسباب المُوجبة – فرضياً ومنطقياً – يعني أن مُنطلق الجهة التي تَطرح مشروع التعديل أو التطوير لقانون ما، هو أنها تُواجه مشكلة، ومما ينطوي عليه ذهابها لاقتراح التعديل أو التطوير هو أنها كجهة قد نَضجت في ذهنيتها التطبيقية آليات مُحددة، وبالضرورة ينبغي أن تكون وضعت تصوراً لمَعايير قابلة للقياس، وصولاً لتحقيق أفضل حالة لجهة تَلبية المُتطلبات.
دعوة السيد الرئيس اليوم للاهتمام بإيجاد الآليات المُناسبة وتحديد المعايير الواضحة، هي الرسالة الأهم لنا جميعاً، وكل من مَوقعه ووفق اختصاصه، لتَثمير القوانين بالشكل الأمثل سواء أكان ذلك بسبب صلتها العضوية التي تُوجب أفضل استثمار للموارد البشرية، أم بسبب اتصالها المادي باستثمار الموارد الطبيعية الذي يَستهدف تحقيق أعلى مُستوى بحسابات الجدوى الاقتصادية. الكوادر والثروات كلاهما ثروات وطنية، لدينا القوانين الجيدة للعناية بها، وعلينا أن نَجد الآليات والمعايير الواضحة التي تُحقق غاية استثمارها، الذي يَعني بالضرورة طي صفحة كل المُشكلات التي تُواجهنا بسبب غيابها أو ضعفها.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 21-2-2019
رقم العدد : 16915
السابق
التالي