في العشرين من شهر شباط خرجت أكثر من 50 منظمة دبلوماسية تمثل ملايين المقترعين الأميركيين ببيان يدعو صناع القرار الأميركي لاحترام الاتفاقية النووية الإيرانية، التي حالت بمضمونها دون تمكين إيران من الحصول على الأسلحة النووية، وعبر البيان عن ضرورة الثقة بالجهود الدبلوماسية وأبدى معارضة لخوض حرب مع إيران.
في مطلع الشهر الفائت، احتشد الملايين من الإيرانيين للاحتفال بذكرى مرور 40 عاما على الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 منهية في ذلك 2500 عام من الحكم الملكي في إيران، أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقد غرد عبر صحفته في موقع توتير باللغتين الفارسية والإنكليزية بقوله: إن الشعب الإيراني قد عانى 40 عاما وجاء رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر صفحته على موقع توتير قائلا: «40 عاما من رفض الإيرانيين العودة للخنوع. 40 عاما من فشل تقبل الولايات المتحدة للواقع. 40 عاما من الفشل في زعزعة استقرار إيران بالرغم من سفك الدماء وهدر الأموال.
القضية النووية
يجمع القادة الإيرانيون والأميركيون بأن واشنطن قد فرضت العقوبات الأشد وطأة على طهران. وفي مختلف الأحوال، ما يجدر ملاحظته أن الولايات المتحدة نهجت في سياستها حيال إيران نحو فرض العقوبات الاقتصادية وممارسة الضغوط والعمل على تغيير النظام في هذا البلد، باستثناء الفترة القصيرة الواقعة بين عامي 2013 و 2016 عندما جرى التفاوض بين طهران وواشنطن على أعلى مستوى بغية حل أحد أعقد الخلافات المتمثلة بالقضية النووية.
وفي هذا السياق، نتساءل فيما إذا كان ترامب سيستمر بمتابعة نهجه العقيم والمكلف، أم أنه سيعمد إلى اتباع مقاربة جديدة مع إيران تفضي من حيث النتيجة إلى إنهاء عقود من عمر الأزمة التي استوطنت العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد قال المرشد الأعلى أية الله علي خامنئي «إن غيرتم موقفكم فإننا سنغير موقفنا» وفي واقع الأمر فإن ترامب يستطيع إنهاء عقود من العداوة الأميركية -الإيرانية من خلال تخليه عن استراتيجيته التي تقوم على الشكوك.
أما إذا انصرفت توجهات كل من واشنطن وطهران نحو الاستمرار الأبدي بالعداء المستحكم بينهما فمن المسوغ أن تحجم كل منهما عن الإساءة إلى شعب وتاريخ وثقافة وحضارة الآخر.
ويتعين على واشنطن اتباع سياسة تقوم على:
أولا: النية، وتتمثل في نقل رسالة إلى طهران مفادها التخلي عن فكرة تغيير النظام، الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال إثبات واشنطن لصدق أقوالها وأفعالها. فالعبارات الجوفاء التي تتبع بتصرفات عدائية ستبرهن خداع واشنطن وافتقارها للجدية، ومن المحتمل أن يفضي ذلك إلى عكس النتائج المرجوة.
ثانيا، إجراء تغيير في اللهجة المتبادلة بين الطرفين. ذلك لأن الولايات المتحدة قد دأبت على توجيه الإساءات إلى إيران باستخدامها أسلوب الازدراء والهجوم حيال هذا البلد إذ نجدها تارة تنعتها بالدولة «المنبوذة» وتارة أخرى تضيفها إلى ما يسمى «محور الشر». أما إيران فإنها ترد بذات الأسلوب حيث تصف الولايات المتحدة بـ»الشيطان الأكبر». وحتى لو رغبت كل من واشنطن وطهران في الاستمرار بالعداوة الأبدية، فمن غير المقبول أن يقدم أي طرف على الإساءة إلى الشعب الآخر وتاريخه وثقافته. وقد أوضح خامنئي مؤخرا بأن الشعب الإيراني سيستمر في الهتاف بعبارة «الموت لأميركا» طالما تستمر واشنطن بسياساتها المعادية، وأكد بأن تلك الشعارات موجهة لقادة أميركا وليس إلى الأمة الأميركية.
ثالثا: النهج الدبلوماسي، فإن إنهاء الأعمال العدائية سيكون ضربا من الخيال طالما أن واشنطن تعتقد أن بمقدورها إخضاع إيران. لذلك فإن الضرورة تدعو إلى اتباع النهج الدبلوماسي الذي ينبغي أن يكون البديل عن الحرب والسياسات القمعية – لكن الدبلوماسية لا تعني فرض مطالب غير منطقية على دولة ذات سيادة وتوقع استسلامها وإذعانها التام.
رابعا: إعداد خطة عملية براغماتية، حيث نجد تقارير صادرة عن مراكز أبحاث في الولايات المتحدة توصي بعقد صفقة كبيرة نظير صفقة كبيرة، لكننا لا نرى في ذلك ما ينسجم مع الواقعية. فالضرورة تستدعي البدء بإجراء صغير يقابله إجراء آخر صغير أيضا. وذلك نظرا لفقدان الثقة بين إيران والولايات المتحدة، فضلا عن كون الانسحاب الأحادي الجانب لترامب من الاتفاقية النووية قد زاد في الطين بلة. ونتيجة لذلك فإن اتباع نهج واقعي بدرجة أكبر يتطلب اتخاذ خطوات محدودة لبناء الثقة، مثل التعاون بين البلدين في مكافحة المخدرات ومكافحة القرصنة.
وفي سبيل السير نحو إنهاء العداء القائم بين إيران والولايات المتحدة فبالإمكان اتباع عدة حلول في مقدمتها عدم التدخل في الشؤون المحلية والاحترام المتبادل للسيادة. كما أنه بالإمكان أيضا اللجوء إلى السير خطوة مقابل خطوة فيما يتعلق بالقضايا العملية على غرار وضع الترتيبات الإقليمية العادلة للسلاح التقليدي وغير التقليدي في منطقة الشرق الأوسط.
السلام الدائم
في الحين الذي عمدت به إيران إلى الحد من مدى صواريخها البالستية إلى 2000 كيلومتر، نجد أن كلاً من إسرائيل والمملكة العربية السعودية تمتلك صواريخ يصل مداها إلى ضعف مدى الصواريخ الإيرانية. وبذلك تكون إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك ترسانة السلاح النووي دون أن تتلقى أي مؤاخذة، بينما نرى بأن إيران التي لا تملك السلاح النووي تخضع لضغوطات وعقوبات صارمة.
دعت قرارات الأمم المتحدة المتكررة إلى تأسيس منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط. ولا ريب بأن تطبيق قراراتها سيفتح الباب نحو السلام الدائم إن لم تتبع سياسة المعايير المزدودجة في تعاطيها مع الدول، فضلا عن إمكانية حل العديد من القضايا العالقة بين طهران وواشنطن.
بعد يوم واحد من التعليقات المعادية لإيران التي أدلى بها ترامب إبان خطابه حول حالة الاتحاد، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن بلاده كانت على استعداد لتأسيس علاقات صداقة مع الولايات المتحدة إن أبدت اعتذارها عما ارتكبته من اخطاء بحقها.
لا ريب أن تغير العلاقات أمر محتمل الحدوث، لكنه يتطلب صبرا واتباعا للنهج السليم الأمر الذي قد يستغرق سنوات طوال، ويستدعي من الجانبين التمسك بالالتزامات المتفق عليها وعدم تفويت الفرص لتحقيق السلام.
ترجمة: ليندا سكوتي
Middle East Eye
التاريخ: الأربعاء 6-3-2019
رقم العدد : 16925
