يبدو أن اللعب على أوتار الإرهاب هي اللعبة المفضلة عند رأس النظام التركي رجب أردوغان، إذ لم يستطع هذا الأخواني المتغطرس القادم من خلفيات عثمانية والمحشو رأسه بأوهام السلطنة والهيمنة والتوسع، الخروج من أفكاره المريضة التي شكلت على مدى ثماني سنوات من الحرب على سورية رهانه المفضل لتحقيق أحلامه في المنطقة انطلاقاً من سورية المحصنة ضد فكره المنحرف، رغم كل الفرص التي أتيحت له في آستنة وسوتشي، بعد أن استثمر لسنوات طويلة في ملف القضية الفلسطينية على حساب آمال وحقوق ومعاناة الشعب الفلسطيني لكسب شعبية عربية وإسلامية، في الوقت الذي لم تنقطع فيه العلاقات المشبوهة بين حزب العدالة الإخواني الحاكم في تركيا والكيان الصهيوني، إذ برهنت الحرب على سورية أن النظام التركي والكيان الصهيوني وجهان لمشروع أميركي واحد غايته الاحتلال والهيمنة وأدواته التدمير والفوضى والإجرام.
تعثر موجة ما يسمى «الربيع العربي» المزيف في المنطقة وتساقط الإخوان في غير بلد عربي دفعت بأردوغان الساعي لاستعادة بعض طموحاته العثمانية لرعاية كل أشكال الإرهاب الداعشي والقاعدي والإخواني في سورية واحتضان مختلف أنواع الجماعات المسلحة الإرهابية، بدءاً بجماعة الإخوان المسلمين وصولاً إلى تنظيمي داعش وجبهة النصرة وباقي الجماعات التي تختلف بالأسماء وتلتقي بالأهداف والأسلوب، لتنفيذ سيناريو الفوضى الأميركية «الخلاقة»، بحيث ارتضى على نفسه أن يكون خادماً صغيراً في بلاط الرغبات الأميركية والصهيونية، ينفذ ما يطلب منه مقابل الحد الأدنى من الجوائز ومكافآت نهاية الخدمة، وأحياناً مع كثير من الضغوط والعقوبات كما يفعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
فقد برهنت مجمل الأحداث والتطورات في سورية وخاصة الاعتداءات المتكررة التي قامت بها الجماعات الإرهابية مؤخراً على المناطق الآمنة في ريفي حماة واللاذقية ومدينة حلب انطلاقاً من ما يسمى مناطق خفض التصعيد التي كانت مرشحة نتيجة «سوتشي الأول» لمنطقة منزوعة السلاح والإرهابيين استعداداً لعودتها لسيادة وكنف الدولة السورية، برهنت على أن كل التفاهمات التي خرجت من لقاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ(الإخونجي) أردوغان باتت في مهب الريح، بعد أن ضرب بها الأخير عرض الحائط، واستثمر فيها كأبشع ما يكون الاستثمار السياسي لكسب ود الولايات المتحدة وتحسين موقعه داخل هذا المشروع، مواصلاً اللعب على مختلف الحبال السياسية المتاحة له روسياً وأميركياً، الأمر الذي يعطي الدولة السورية الحق في التحلل من أي التزامات تؤخر قيام قواتها المسلحة بمعالجة الوضع الشاذ في إدلب أسوة ببقية المناطق التي تم تحريرها، وتخليص ملايين السوريين في المحافظات المذكورة من جرائم هؤلاء الإرهابيين القتلة الذين ينفذون مشاريع عدوانية تخريبية خارجية لا تمت بصلة لمصلحة وتطلعات الشعب السوري.
فبالعودة إلى التفاهمات المشار إليها في سوتشي وإلى جولات آستنة المتكررة التي أنتجت ما يسمى مناطق خفض التصعيد، التي حضر فيها نظام أردوغان بوصفه ضامناً مباشراً لما تبقى من جماعات إرهابية ناشطة في شمال غرب سورية وعلى رأسها جبهة النصرة المصنفة على لوائح الإرهاب الأممية، التي استولت بإيعاز وغض نظر تركي على معظم محافظة إدلب وأخضعت باقي الجماعات الإرهابية لسلطتها واتخذت المحافظة قاعدة للاعتداء وشن الهجمات الإرهابية باتجاه القرى والبلدات الآمنة المحاذية لمناطق خفض التصعيد وعلى نقاط الجيش العربي السوري في محيطها، ما يجعل النظام التركي مسؤولاً مسؤولية كاملة ومباشرة عن كل الانتهاكات والاعتداءات التي يرتكبها هذا التنظيم ومن تحت إمرته أياً كانت التسمية، إذ ليس بوسعه التنصل من هذه المسؤولية أو تبريرها تحت أي ذريعة، بحكم أن تركيا كانت ومازالت الرئة الكبيرة التي تتنفس منها كل هذه الجماعات الإرهابية في الشمال السوري، وليس سراً غامضاً أو مخفياً أن خط إمدادها بمختلف أدوات القتل والإجرام بما في ذلك الأسلحة الكيماوية التي تستخدمها في استفزازاتها مازال مفتوحاً على مصراعيه من الجانب التركي، حيث تكفل بعض الإعلام التركي بكشف هذه الحقائق خلال السنوات الماضية، كما أن السلطات التركية مازالت تقدم الدعم اللوجستي للإرهابيين في إدلب وجوارها، كل ما تحتاجه لشن اعتداءاتها بما في ذلك معالجة المصابين حيث تمت معالجة «الجولاني» متزعم جبهة النصرة قبل فترة، وهو نفس سلوك الإرهابي الصهيوني رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي قدم لهذه الجماعات كل ما تحتاجه في جنوب سورية خلال سنوات الحرب.
يتضح من سلسلة المناورات الميدانية والسياسية التي يقوم بها نظام أردوغان أنه يريد أن يقايض على الوضع في محافظة إدلب بما يسمى المنطقة الآمنة الموعود بها أميركياً في منطقة الجزيرة السورية، حيث كشف عن أطماعه هناك متذرعاً بما يسمى الخطر الكردي على الأمن القومي التركي، مع العلم أن مشكلة الإرهاب ومحاربة داعش لا تعنيه لا من قريب أو بعيد بل يسعى لاختصارها بالوجود الكردي والأحلام الانفصالية عند البعض منهم، وقد تكون اعتداءات مرتزقته الأخيرة على حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب نوعاً من التفاوض بالنيران بحيث يتركز التوتر في هذه المنطقة في محاولة لجرّ الجيش العربي السوري وحلفائه إلى معركة في توقيت أميركي تركي غربي يضمر بعض السيناريوهات الخبيثة، بينما يتوغل الجيش التركي ومرتزقته ضمن ما يسمى درع الفرات في الشمال السوري لإقامة المنطقة الآمنة التي يحلم بها خارج إطار التفاهم الروسي التركي وبعيداً عن اتفاقية آضنة التي تلزم الجانب التركي باحترام السيادة السورية وعدم الإقدام على أي تحرك بعيداً عن التنسيق مع الجانب السوري.
في كل الأحوال الحرب لم تنته بعد وهي مرشحة لفصول جديدة بعد تراجع الأميركي عن قرار الانسحاب وأبقى بعض قواته في الشمال السوري استعداداً للألاعيب بالتنسيق مع النظام التركي، ورغم أن حسم الوضع الميداني في إدلب بات مطلباً سورياً ملحاً وعنواناً إلزامياً وضرورياً لاستكمال تنظيف الجغرافيا السورية من الإرهاب وفلوله، إلا أن العين السورية مصوبة باتجاه الشمال ريثما تتكشف العناوين الجديدة للمشروع الأميركي حيث نظام أردوغان كان وما يزال جزءاً منه.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 6-3-2019
رقم العدد : 16925

التالي