د. نجاح العطار في قبسات من ملامح حياة منذورة للكفاح: أيام المحن والنضال لايستطيع الكاتب أن يكتب ويعيش على هواه
الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية, مقولة القائد المؤسس حافظ الأسد, لم تكن من فراغ, ولم تصب بأي فراغ آخر, إنما كانت تجسيدا وحقيقة واقعة لطموح ثقافي راق, وطني, عروبي, بروح الإنسانية التي لا تعرف الكره ولا الحقد ولا الضغينة, تتخذ من التراث محطة ونقطة مما شع نورا وبهاء, وتمضي لتعانق الحياة خصبا وفعلا وعطاء لا حدود له, هذه مرتكزات أولية لها, وما أعمق جذرها, وأنبله, ولتكون المقولة على أرض الواقع فعلا وعطاء كانت المؤسسات الثقافية التي شهدتها الساحة السورية, من ألف باء قمحها إلى مائها, نداها, جبالها, صخورها, غوطتيها.. وكانت السيدة الدكتورة نجاح العطار, ومازالت المؤتمنة على هذه المسيرة أثرتها بما قدمته, اشرفت عليه فعلا حضاريا ونبلا بالقدرة على لمّ الشمل والاتجاه نحو الأفق الذي رسمه القائد المؤسس حافظ الأسد وجاءت مسيرة التطوير والتحديث بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد لتمضي بالمسار عمقا وخصبا وعطاء.
السيدة الدكتورة نجاح العطار, الكاتبة والوزيرة ونائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية, تضيء على محطات نبيلة من هذه المسيرة الثقافية, بكتابها الجديد والمهم جدا، الصادر حديثا عن الهيئة العامة السورية للكتاب, وقد جاء ضمن سلسلة الكتب التي قدمت من خلالها الكثير على الفعل الثقافي والفكري.. حمل الكتاب عنوان: ملامح من حياة منذورة للكفاح, نعم إنها حياة لم تتوقف عن فعل العطاء والقدرة على التوجيه والمضي قدما, وكان الحصاد رائعا, بنية ثقافية شامخة, حمت الإرث الذي كان وصانت ما تحقق, في الكتاب تفتح صفحات لم تغب, ولايمكن ان تغيب لأنها من شمس سورية وتاريخها, ومن عطاء أبنائها, تقدم عبر صفحات تصل إلى أكثر من ال500 صفحة, تقدم عصارات التجربة وما أكثرها,وأجملها وأحوجنا إليها اليوم.
حين أصبحت وزيرة
تكتب العطار قائلة في مستهل الكتاب: حين اختارني الرئيس الراحل الكبير لأكون أول وزيرة في تاريخ سورية وللثقافة بالتخصيص, ودعاني لمقابلته, كنت احسب أن هذا اللقاء سيعطيني أن استمع إلى قائد سياسي وعسكري كبير يرسم حدود العمل الذي نشتاق إلى التعرف إليه أكثر فأكثر…
لكن مفاجأتي كانت كبيرة حين بدأ يحدثني عن تصوراته لاستراتيجية ثقافية بعيدة الأغوار وعن إيمانه بأن الرهان على الثقافة يكون في وجه غزو الثقافات الوطنية وبغية السيطرة عليها وعن ضرورة توفير المقومات لنهضة فكرية نحتاجها, مع احترام الجوهر التاريخي لوجودنا الوطني والقومي, في فضاء رحب من الوعي المتنامي.
لقد مكثت – كما تقول – في منصبي وزيرة للثقافة أمدا طويلا, سمح لي بتحقيق منجزات حقيقية في ميادين الثقافة كافة, وكان ذلك برعاية كريمة متواصلة ومتابعة موجهة, من القائد الراحل, حدد فيها مفاهيمه الواعية لمعنى الثقافة ولدورها الكبير في حياة الأمم.
لقد كان رحمه الله يؤمن إيمانا حقيقيا بدور الثقافة بما هي فكر وإبداع وعنصر فاعل بغير حدود, يمنح الرؤى في مدارات حياتنا, ويسهم في خلق الوعي المسؤول ويسمح بتجاوز التخلف في كل مستوياته, والارتقاء بنا إلى فهم أعمق لحقائق الوجود, وقدرة التفسير والتحليل والتفكيك والتركيب و ليكون التفتح التنويري سبيلنا إلى التغيير الارتقائي..
وكان علينا – تقول الدكتورة العطار – بتوجيه دائم منه وإلحاح ألا نغفل يوما عن أهمية الثقافة ودورها في كليتها وشموليتها, في بناء الإنسان والارتقاء بالوطن وصناعة التقدم ورسم حدود المستقبل المنفتح على الممكن, وعن ضرورة إعطائها كفاء ما هي عليه, وما هي جديرة به, في عصر الثورة التكنولوجية وفتوحاتها الالكترونية.
وكان يقول القائد المؤسس في توجيهاته لنا: إن الثقافة التي ننشد في ارتباطها مع الحاجات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والدفاعية, لا تنهض على قوائم من قصب, وإنما على ركائز استنادية مادية ومعنوية, وبامتلاك ثقافة علمية تربوية روحية مستنيرة مستقبلية وتتصدى للتحديات السياسية والاقتصادية والنضالية, وكل هذه البدهيات تتمحور في انتاج الثقافة ونشرها, وهذا الانتاج لابد له من حامل إبداعي ترتبط, في وطننا الكبير, عصريته بتراثيته في وحدة متكاملة..
البناء
ربما كان علينا أن نستشهد أكثر فأكثر بما قدمته الدكتورة العطار عن رؤية القائد المؤسس للثقافة, ولكن ما قدم يضع المتابع والقارىء بصورة عامة, يمكنه بعدها أن يجد أن البناء على هذه الرؤيا الثرة والغنية, فعلا قد ارتفع وشمخ, ورعته العطار بالفعل والمتابعة, وقد أثمر نهضة ثقافية متميزة, يعرفها الجميع, وقد كانت للحوارات التي أجريت مع السيدة العطار على امتداد عقود من الزمن, كان لها دور كاشف في الإضاءة على الكثير مما قدمته, وعملت عليه, أضاءت على رؤى نيرة مهمة جدا يمكن الاقتباس منها كإضاءات سريعة لاتغني عن العودة إلى الكتاب.
ثقافة وطينة
تقول في ص 78: ومن الطبيعي أن هناك ثقافة وثقافة, وأن ما يحتاجه واقعنا وعصرنا, ومستقبلنا هو ثقافة وطنية تأخذ أفضل ما في التراث وتزاوج بينه وبين أفضل ما في الحداثة, وتصنع من ذلك ثقافة تقف بثبات إلى جانب التحرر والتقدم والتطور الاجتماعي, وترى في الإنسان غايتها فتعمل على بنائه بناء فكريا صحيحا كما أن عليها أن تقف وتكافح ضد الثقافة الأخرى, الاستعمارية المعادية..
الأدب والسياسة
ص81 تقول: متى كان الأدب منفصلا عن السياسة؟ صحيح ان الادب غير السياسة ولكن الادب بطبيعته يعبر عن سياسة, وعن وظيفة اجتماعية وهذا ما يغيظهم منه ولهذا يريدونه أن يتشرنق, وان يختنق في فرديته وذاتيته وتفاهته الناتجة عنهما.
الكتاب العربي
ص133: الكتاب العربي محجوز عن حرية التنقل بسبب التوزيع, اكثر منه بسبب الرقابة, وعلى الادباء والكتاب أن يرفعوا الصوت دائما لأجل حرية التعبير وحرية توزيع الكتاب.
الالتزام لا الإلزام
ص313: لنفرق بين الإلزام والالتزام, إنني ضد الإلزام ومع الالتزام, وهذا يحد من تعملق المثقف, بل يساعده على أن يكون عملاقا بالفعل. وبكلمة أخرى: ليس من مثقف أو ثقافة بغير موقف وعلى هذا فالثقافة الملتزمة التي تخدم حركة التاريخ في عملية التغيير نحو الأفضل هي التي تخلق الإنسان ذا الأفق العالمي, لأن حركة التاريخ عالمية بطبيعتها وخاصة في عصرنا..
ثقافة الحياة
إن على المثقفين أن ينتجوا الثقافة والأصل أن تصل ثقافتهم إلى الجمهور, لكي يكون لها التأثير المطلوب, وعلى المؤسسات الثقافية, وهذا دورالوزارة، إلا أن علينا أن نفرق بين ثقافة وثقافة, فما نحتاجه هو ثقافة قومية وطنية وتقدمية إنسانية, لا تنغلق على الثقافات الأخرى, ولا تذوب فيها, وعلى الجميع أن يدركوا أن المخططات المعادية تنطوي في جانب منها على تخريب ثقافي, وعلينا أن نواجهه بالمنع كمؤسسات وبالكشف والنقد من خلال الإنتاج الثقافي الوطني, كل ألوان الإنتاج الثقافي الذي يدعو إلى التشاؤم واليأس والعنف والجريمة والتحلل والميوعة, وكل الشكلية وعصرية الموجات والصرعات الجديدة, لا تفيد المواطن العربي, بل تزيد في بلبلته وفي سلب الرؤية المستقبلية الصحيحة, وفي تخريب نفسيته.. الثقافة تقدمية بطبعها, حين تكون صادقة نظيفة..
كلمة أخيرة
الكتاب سفر حقيقي, يحار المرء من أين يقبس منه ويقدم، فهو صفحات من عمل ثقافي متميز, يؤرخ للوطن, لسورية القدرة على الفعل والثقافة التي تثري الحياة.
ديب علي حسن
d.hasan09@gmail.com
التاريخ: الاثنين 11-3-2019
رقم العدد : 16928