النكتة العربية بين الماضي والحاضر.. قـــــراءة في تاريـــــخ الطرفـــــــة وتحولاتهــــا..

ربما لا يقف الكثيرون عند محطات الأدب الضاحك في تراثنا، ولايرون الجانب الترفيهي منه، وكأنه خلق عابساً غير قادر على تقديم ما يروح عن النفس، مع ان الحقيقة ليست كذلك ابداً، فهو أدب ثر وغني بالطرائف والوقائع التي تدهش، من الطرفة إلى النديم، ومن ثم الى النكتة الآن التي صارت كأنها معلبة بدواء، فتم اختزالها لتكون متناسبة مع عصر السرعة الذي نعيشه, للوقوف على هذا التراث وتحول الطرفة إلى النكتة، كانت محاضرة ديب علي حسن، في ثقافي كفرسوسة، وفيها توقف المحاضر عند محطات مهمة في تراثنا الأدبي، ومهد لذلك بتعريف الضحك وأهميته في الحياة، وقدم مجموعة من الآراء التي أثرت التعريف.
وذهب إلى جولة في التراث العربي الذي كان ثريا بالطرائف واللطائف، بدءاً من العصر الجاهلي إلى اليوم، وكانت المحطة الابرز في العصر العباسي، حيث رأى المحاضر أنه العصر الأكثر جمالاً وبهاء لأنه حمل حرية الفكر، إذ كانت الدولة العربية صاحبة العولمة الأولى، وهي عولمة إنسانية نقية بهية، وقد كان الخلفاء والحكام يعون هذا الدور، وفي هذا العصر كان لافتاً حركات أدعياء النبوة، الذين غالباً ما يتم تجاوز ماادعوه على خطورته بموقف طريف ينتهي بإعلان الدعي إفلاسه.
ومن ثم اشار إلى شخصيات بعينها شغلت الناس حينذاك بما قدمته من مواقف طريفة، ومازالت حتى اليوم تذكر، منهم بهلول، وجحا وغيرهم كثيرون، وعرج على الجاحظ صاحب المواقف الطريفة التي تناثرت في حياته كما في كتبه، وبعد ذلك توقف المحاضر عند الطرفة التي انتقلت إلى لون آخر، هو النكتة السريعة التي تعبر عن موقف طريف، خفيف، تضحك أو تبكي، وهي تحمل رأياً ناقداً لاذعاً، وصنفها حسب ألوان الحياة التي نعيشها، فهي (سياسية، دينية و اجتماعية، ثقافية إلخ).
ويرى أنها تحمل مدلولاً واسعاً من حيث قدرتها على الاختزال والنقد، وتعمل الكثير من المؤسسات البحثية في العالم على جمعها وتحليلها ومن ثم دراسة القضايا الاجتماعية التي يعيشها ذلك المجتمع الذي تنتشر فيه.
والنكتة سريعة الانتشار، لايمكن الوقوف بوجه انتشارها، وهي جواز سفر الممنوع إلى العلن، فما لايقال علناً تقوله النكتة بطريقتها، اسلوبها وقدرتها على إحداث صدمة المفاجأة التي تجعلنا أو تنقلنا إلى مكان آخر.
والنكتة كما ألوان الإبداع والحياة تستطيع أن تتطور وتتلون حسب الواقع والظرف الحياتي، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ومن قبلها البث الفضائي، كان لها تطورات توقف عندها المحاضر، وعرج على تحليل بعضها، وبالعودة إلى الدراسات التي تعنى بهذا التراث، أشار إلى كتب كثيرة صدرت بهذا الصدد، منها كتاب المحاضر نفسه، النكتة العربية بين الماضي والحاضر، وكتاب للاستاذ نصر الدين البحرة، وعبد الغني العطري، وغير ذلك من الكتب التي رصدت ودرست تطور الفكاهة والظرف في الأدب العربي.
بعد ذلك جرى نقاش موسع من الحضور حول النكتة التي تمثل رأياً ناقداً، وكيف يجب الاستفادة منها في قراءة متغيرات المجتمع أي مجتمع، وكان لافتاً الرصد الذي عمل عليه المحاضر من خلال متابعته لصفحات الفيسبوك وجمعه أعدادا كبيرة من الطرائف والنكت، ومعظمها يتناول قضايا حياتية ومنزلية، وهذا ما يدلل على أن النكتة مؤشر حقيقي للكثير مما يجري في المجتمعات، سواء في القاع منه، في السر أو العلن، لابد من العمل على قراءتها وتحليلها.
ولا بد من القول إن مثل هذه الندوات التي تبحث في الكثير من أسرار المجتمع التي تطفو من خلال الكثير من المعطيات و يجب أن تكون تحت مجهر الضوء، وكم حري بنا أن نعيد البسمة إلى حياتنا، ما أحوجنا إلى الظرفاء الذين نفتقدهم في هذا الزمن الصعب والمر، ونتوق بحق لإعادة إحياء الكثير من تراثنا الضاحك من مؤلفات الجاحظ إلى اليوم، والعمل عيه بحثاً وتنقيباً وقدرة على توليد الطاقة الايجابية التي تدفعنا للأمل والحياة والفعل المستمر، فمع كل ولادة طفل وتفتح زهرة، ثمة يوم جديد لنعمل على جعله طاقة حياة.
علاء الدين محمد
التاريخ: الاثنين 11-3-2019
رقم العدد : 16928

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين