من نيوزيلاندا حيث سفاح المسجدين في صباح الجمعة إلى سريلانكا حيث سفاحو الكنائس في أحد الفصح تنقّل التطرف والإرهاب بأبشع صوره طارحاً المزيد من الأسئلة عن هوية القاتل الحقيقي المتواري خلف الصور المصدرة، القاتل الذي لم تتجه إليه أصابع الاتهام والإدانة، إذ ليس منطقياً أن ترتكب جرائم إرهابية بهذه البشاعة وهذه الوحشية دون أن يكون هناك محرض أو مستفيد له مصلحة في خلق فتن جديدة بين أتباع الديانات الأخرى من مسلمين ومسيحيين سواء في منطقتنا كما جرى في أماكن كثيرة، من يوغسلافيا إلى نيجيريا ومن مصر إلى العراق وقبل ذلك الحرب الأهلية في لبنان، ليتسنى له استكمال مخططاته ومشاريعه الاستعمارية والعدوانية دون أن يثير ضجة أو يلفت الانتباه إليه، إذ لا توجد أي مصلحة لشعب مستقر مثل شعب نيوزلاندا في هزّ استقرار بلده الآمن، ولا لشعب سريلانكا أي مصلحة في العودة إلى خضم حرب أهلية جديدة بعد أن جرّب أهوالها على مدى نحو ربع قرن.
منذ ارتكاب السفاح الاسترالي برينتون تارانت جريمته المروعة في مسجدي كرايست تشيرش المدينة النيوزلاندية الوادعة تنبأ الكثيرون بموجة من ردات الفعل المعاكس على هذا العمل الإرهابي، وكانت مناطق عديدة مرشحة لتكون ساحة مناسبة لهذه الموجة المتجددة من الإرهاب بعناوينه الدينية والطائفية من بينها أوروبا وما زالت، ولا تزال منطقتنا التي تعاني بالأصل من إرهاب داعش التكفيري ومتفرقاته مرشحة بقوة أن تكون ساحة له، إذ ما زالت نفس الأدوات مهيأة للعب نفس الدور الوظيفي، وليس سراً أن الصهيونية وحماتها في أميركا والغرب يريدون أن يحكموا العالم ويهيمنوا عليه وعلى قراره وثرواته ولا سبيل لهم سوى إغراق الدول والأمم بحروب استنزاف وإضعاف كما جرى في منطقتنا منذ تسع سنوات برعاية مشروع الفوضى الأميركية (الخلاقة).
لم تكن مجرد مصادفة أن يعلن سفاح نيوزيلندا إعجابه بدونالد ترامب وهو مجرم الحرب في سورية والعراق لكونه أنموذجاً في التطرف والعنصرية، ولن تكون مصادفة أبداً إذا ما خرج متزعم (جماعة التوحيد الوطنية) في سريلانكا المدعو زهران هاشم وأبدى إعجابه بأبي بكر البغدادي متزعم تنظيم داعش وبايعه على السمع والطاعة، إذ لا يحتاج الأمر سوى فيديو قصير مليء بالتحريض والكراهية على شاكلة فيديوهات بن لادن والظواهري والجولاني لكي تشتعل فتنة جديدة وينبري المتطرفون من كل جهة (للدفاع) عن مشروعهم التكفيري ضد الآخر، دون أن ننسى ولو للحظة واحدة أن هذه التنظيمات الإرهابية بدءاً بتنظيم القاعدة الذي أنشئ في أفغانستان وصولاً إلى جماعة الأخوان المسلمين وليس انتهاءً بداعش وجبهة النصرة وغيرهما، كلها منتجات أميركية وغربية مولتها كيانات النفط الوهابية لتكون رأس حربتها في مقارعة خصومها وأعدائها من دول وأمم وشعوب.
عندما يتم التحريض على الفتنة وترتكب الجرائم المروعة في الكنائس والمساجد لا بد أن يكون للكيان الصهيوني مصلحة مباشرة ولموساده يد خفية، وهو الذي يسعى لتهديم المساجد والكنائس في فلسطين المحتلة لمصلحة بناء هيكله المزعوم، وفي تاريخه آلاف السفاحين على شاكلة باروخ غولدشتاين (سفاح الحرم الابراهيمي) ومجرمو الحرب الذين تولوا مناصب قيادية في هذا الكيان من ديفيد بن غوريون وصولاً إلى بنيامين نتنياهو وما بينهما من سفاحي دير ياسين وكفر قاسم وبحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا ..إلخ.
فهل هي مجرد مصادفة أن تذكر صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية، أن زهران هاشم، المنتمي لجماعة التوحيد، هو من بين الإرهابيين الذين يُزعم أنهم يقفون خلف تفجيرات سريلانكا، واصفة إياه بـ(العقل المدبر).
وما دام الحديث عن الإرهاب المتنقل الذي تشهده دول مختلفة في إطار الفعل ورد الفعل الذي يبدو أن بعضه مخطط باتقان لإحداث حروب أهلية في مناطق عديدة، ثمة من يسأل كيف اختفى الدواعش من الجزيرة السورية برعاية الاستخبارات الأميركية؟ وما هي الجبهات المرشحة لجرائمهم ونشاطاتهم الجديدة؟ إذ من المتوقع أن تحدث ردات فعل أخرى سواء على جريمة عيد الفصح في سريلانكا وجريمة كرايست تشيرش بنيوزيلندا، وهكذا تستمر لعبة الإرهاب ويستمر الغرب في توظيفه لخدمة أجنداته الاستعمارية، إذ ثمة من يربط بين هذه الجرائم المتنقلة وبين الهوجة اليمينية التي صعدت بدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وأتت ببعض وجوه التطرف في أوروبا، وكذلك في إسرائيل حيث تم التجديد لنتنياهو.
ففي بعض القراءات والتحليلات التي تلت مجزرة نيوزيلندا تم تخيل ما سيحدث مستقبلًا، كتدبير مؤامرة أخرى على شاكلة تنظيم داعشي، تنتقم لضحايا مسجد النور النيوزيلندي، وتوفر في الوقت نفسه أجواءً جديدة لتمكين أميركا وإسرائيل من نهب ثروات العرب واستكمال بقية الصفقات المخطط لها ومن بينها صفقة القرن، إذ كلما انزلق المسلمون والمسيحيون في المنطقة أو العالم إلى موجة جديدة من الكراهية والعداء بسبب هكذا جرائم تقدمت المشاريع الاستعمارية الصهيونية خطوة للأمام، ومن يتذكر الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982 لا بد له أن يتذكر أيضاً أنه جاء في أعقاب سبع سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة التي أضعفت كيان الدولة اللبنانية ومؤسساتها، ودفعت ببعض مليشيات الحرب للاستعانة بإسرائيل والعمل ضمن أجنداتها التخريبية، ومعلوم أنه في أجواء الحروب الأهلية يكثر العملاء والمرتزقة والخونة، أي أن الحرب نفسها كانت مشروعاً إسرائيلياً بامتياز، وفي كل صراع ديني أو طائفي في المنطقة وربما في مناطق أبعد منها ثمة مصلحة صهيونية بامتياز، وليس سراً هنا أن الموساد الإسرائيلي ينشط في كثير من الدول وخاصة في أفريقيا وآسيا لإثارة مثل هذه النزاعات والصراعات التي تؤمن له إمكانية أكبر للتدخل وفرض أجندات معينة وتحقيق بعض المكاسب كما جرى في جنوب السودان، وبالتأكيد ليس حماة الكيان الصهيوني وداعموه في واشنطن بعيدين عن مخططاته.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الخميس 25-4-2019
رقم العدد : 16964

التالي