الملحق الثقافي- عقبة زيدان:
قبل أكثر من ألفين وخمسمائة عام، وقبل أن تعري التلسكوبات العملاقة عالمنا والعوالم الأخرى، أدرك الحكيم الصيني لاوتزو أن الفراغ هو العقل. الفراغ هو المكان الذي يقبع خارجنا حين كنا لا نزال من دون فعل، حين كنا ننكمش في مكعب صغير من الطاقة الهائلة نحن وكوننا العملاق. تحررت المادة شديدة الضغط والحرارة، وتناثرت في الفراغ. ومن هنا بدأ ما يسمى الزمن.
أدرك لاوتزو «فراغ هذا العالم كله»، وتساءل عن ولادة الزمن وولادتنا.
لا بد أننا كنا طاقة كامنة، طاقة جنينية طامحة للوجود في الفراغ، في العقل. وسينطلق أحدنا – كطفل لاوتزو غير العابئ بالنتائج، باتجاه تلك اللحظة من الانفجار الكوني ومن ثم الوجود، وليكن هذا الطفل عبارة عن شاعر يدعى وليم بليك، شاعر الرؤى الحالم والمجنون، ويعلن أنه «رأى العالم في حبة رمل».
كان إعلان هذا الطفل الشاعر في القرن الثامن عشر، قبل أن تظهر نظرية الانفجار الكبير، وقبل أن يتأمل آينشتاين السماء وهو مستلق في قارب صغير، وقبل أن يؤرق اكتشاف الكون ستيفن هوكينغ ويصبح ضحية لعبثه الطفولي بالزمن.
«العالم في حبة رمل» هو مجاز بليك العبقري، مع العلم أن عدد النجوم في مجرتنا يفوق عدد حبات الرمل في جميع شواطئ العالم، ويتجاوز عدد المجرات في كوننا عدد تلك النجوم بكثير.
قبل هذا كله، كان الفراغ يحيط بنا، لذا فإن العالم عصي على الفهم والتفسير. والحقيقة لا يمكن سبرها، وهي غامضة أبداً، ولا يجدي النقاش حولها، وربما يشوهها. لذلك فإن عبارة لاوتزو «من يعرف لا يتكلم، ومن يتكلم لا يعرف» هي اختصار لغموض الفراغ البدئي – العقل البدئي.
التاريخ: الثلاثاء 28\5\2019
رقم العدد:16988