الفنُ عموماً – وليس الشعر والقصة والرواية فحسب – لا يَمْنَحكَ بعضاً من نفِسِهِ إلا إذا أعطيتَهُ نفسكَ كُلّها… لا يمكن لمن يكتبُ قصّةً قصيرة أو قصيدةً في أوقاتِ فراغِهِ أن يُصْبحَ قاصاً أوشاعراً؛ لا يمكن لمن لا يعشق هذا الفن بكل جوارحِهِ فيسكنُهُ ليل نهار، أن يُبدعَ فيه، ثُمّ هناك مسألة العمل الدؤوب والصبر؛ وكثيرون َمنا يعرفون أمثلةً غير قليلة على ذلك؛ كَمّ مَرّةً كتبَ إرنست همنغواي قصته الشهيرة «الشيخ والبحر»، وكم مَرّةً اشتغلَ دوستويفسكي على هذا العمل أو ذاك قبل طرحِهِ بين أيدي القراء، وكيف ألقى ميخائيل بولغاكوف رائعتَهُ «المعلم ومرغريتا» في الموقد بعد كل عنائِهِ في كتابتها… ثُمّ عادَ وكتبها من جديد ومن الصفر… ولا بد من الصبر، فكم من أعمال أدبية مهمّة جداً وربّما عظيمة رُفِضَت من قبل الناشرين مَرّة واثنتين، وعشرة وعشرين، ولكن أصحابها صبروا وتمكّنوا أخيراً من نشرها وطرحِها بين أيدي الناس، وكم من أعمالٍ أخفتها هذهِ الجهة الرقابيّة أو تلك، لسببٍ ما … ثُمّ استطاع أصحابها أن يخرجوها إلى النور، أو قُدِّرَ لها أخيراً أن تخرجَ إلى الهواء الطلق؛ والأمثلة ليست قليلة؛ يكتُبُ بيتر ليز شاك:
«لا توجدُ تقنيّة مُحدَّدة لتكثيف الصبر عدا التعليم، فتذكّر ذلك، تعلّم وتذكّر. في عام 1974 نَشرَ (روبرت بريسج) روايته «زمن وفن صيانة الدرّاجة الناريّة»، وهي عمل مُذهل، وسرعان ما تصدّرت قائمة أفضل المبيعات وأصبحت واحدة من أهم روايات هذا العقد. وقد كنتُ دائماً أعود إليها خاصةً بعدَ أن علمتُ أنّ النص قد رُفضَ 125 مَرّة خلال ست سنوات. إنّ (بريسج) نموذج حي للصبر، والسؤال هو كيف استطاع (بريسج) أن يتقبّل كل هذا الرفض».[1]
المسألةُ تحتاجُ إلى شجاعة كما يُعبّر ستيفن كوتش: «من بوسِعِهِ ألّا يخاف ولو قليلاً؛ لذلك كن مقداماً. ستحتاج كل الشجاعة التي تمتلكها. ستحتاج الشجاعة كي تعيش حياة الكاتب المملوءة بالمجازفة. ستحتاج الشجاعة كي تتجنّب القوالب الجاهزة، وما هو مأمون. ستحتاج الشجاعة كي تُبقي على نضارتك وعنفوانك. وستحتاج الشجاعة كي تقول الأشياء على طريقتك وتجعل صوتك مسموعاً».
والمسألة تحتاجُ إلى عمل دؤوبٍ وهمّة عالية، فسر النجاحِ في الكتابة – إذا ما امتلكَ المبدع موهبةً – هو الكتابة أكثر وأكثر.. والقراءة أكثر وأكثر… إنّ بعض الكتّاب يشكون ويقلقون أنهم لا يكتبونَ إلّا قليلاً؛ ولعلّ مرد ذلك على الأغلب إلى كسلهم وتقاعسهم عن القراءة… وتقاعسهم عن خلقِ وقتٍ للكتابة، والجلوس إلى طاولة العمل، ولعلّ هذا ما عَبّرت عنهُ الكاتبة ج، كي. رولينغ حين قالت: «بعض الناس لا يمكنهم تقبّل فكرة أنني يتوجّب عليّ أن أعكف على نفسي وأكتب الكتب، يعتقدون أنها تنبثق هكذا مثل الفطر دون أي جهد. يتوجب عَليَّ من أجل هذا أن أحرس الوقت المخصص للكتابة كما يحرس التنين الهنغاري الأسطوري بيضته البكر».
د. ثائر زين الدين
التاريخ: الأحد 14-7-2019
الرقم: 17023