ألفته المنابر وما يزال صدى صوته يملأ الأذن «هنا حمص» و«أفاق» في الإذاعة السورية ارتبط اسمه بالأغاني القديمة والفلكلورية إنه الإعلامي الأديب عبد الكريم الناعم فكان لنا معه لقاء شيق في منزله العابق بالثقافة وسط مكتبة ضخمة تشعرك بحميمية المكان حيث تتعانق الكتب وسط حفاوة وترحيب الأديب مع عائلته بتواضعه المعهود:
– ماذا يعني لك الشعر كحالة إبداعية ؟
— سؤال واسع وعميق ويبدو سهلاً في السطح ولكنه ليس بالسهولة التي يبدو عليها، ولاسيما وأنه قدّ مرَّ عليّ أكثر من 60عاماً وأنا أكتب الشعر، كيف يمكن أن تعرف الحياة؟ سئل أحد الأئمة عن طعم الحياة فقال: كطعم الماء، وأنا أستعير هذه الجملة لأقول طعم الشعر كطعم الماء هو حياة وأكوان واحتراق وانتماء وتجدد وقلق، ومن كان من أهل هذا الأفق أظن أن أكثرهم لا يعرف معنى الراحة حتى خلال النوم فهم دائماً في حالة من القلق والتجدد.
– الشاعر الكبير عبد الكريم الناعم من شعراء الحداثة، حدثنا عنها من منظورك؟
— في الحداثة شيء من الالتباس، يتحدثون ويتكلمون عن الحداثة، ويتوهمون أنهم يعرفونها, إن الحداثة ليست حداثة واحدة بل حداثات في العالم، وقد بحثت في هذا الموضوع في كتابي «في أقاليم الشعر», فإذا قلنا أن الحداثة هي الحياة وفهم الإنسان، فهذه مطالب متجددة في كل زمن ينقضي الزمن ويأتي زمن له المفردات ذاتها، والحداثة على سبيل المثال في شمال أوروبا هي غيرها في جنوبها وهي قارة واحدة وهي غيرها في الوطن العربي.., لذلك فهي مفهوم سرابي يصعب ضبطه ويمكن أن يكون الكلام عنه في بعض العناوين التي تتعلق بالإنسان كرامة وحياة تبدأ من لقمة الخبز وحتى آخر حلم يحلم به الإنسان، أعتقد أن في هذا الشيء روح الحداثة.
وإذا كنت تعنين الحداثة في الشعر ففي التقييم الزمني يقال شعر قديم وشعر حديث أما في التقييم الفني الحقيقي للشعر لا أعتقد أن هذا الكلام يصلح لأن هناك أبيات شعر قيلت قبل ألف عام أو أكثر وما تزال تشع وتطربنا وتشدنا.
– عرفت بشاعر الالتزام تناولت كافة قضايا الوطن، أين موقع حروفك منها؟
— استطيع أن أقول أن ما كتبته من شعر ينقسم لقسمين قسم ينتمي إلى ما يسمى بمعالجة قضايا الالتزام والقضايا الوطنية والقضايا الراهنة وأحلام الأمة وانكساراتها..، وكان ذلك في عدة دواوين وليس ديوانا واحدا ما من قضية مرت على هذا الوطن إلا وكتبت عنها من قضية فلسطين والجولان ولواء اسكندرونه والجنوب اللبناني والعراق وصولاً للحريق الذي أصاب سورية، فقد كتبت مجموعات كاملة عن الشهداء ولقطات فنية أعالجها بشعرية أرجو أن تكون وصلت إلى ما أريد، وقد صدر عن وزارة الثقافة كتاب باسم «لأقمار الوقت» حيث اعتبر هؤلاء الشهداء كل منهم قمر في وقته، ولدي عدد من الدواوين فيها شيء من التأمل وشيء من الصوفية الفكرية والنفسية التأملية، لدي حتى الآن 25 مجموعة شعرية، أكثر من ثلثها تتناول قضايا الوطن والالتزام، والباقي ليس بعيداً عنه..
– خوضك في مضمار النقد هل هو ناتج عن دراسة أكاديمية أم خبرة تراكمية؟
— لم يكن عن دراسة أكاديمية وإنما بالدرجة الأولى نتج عن تحسسي للقصيدة، فالشاعر يتحسس القصيدة بنظرة نقدية أكثر عمقاً، وقد رأى بعض النقاد أن أفضل من نقد الشعر هم الشعراء لأن حساسيتهم تصل لدرجة اكتشاف مواقع لا يكتشفها الدارس العادي، وقد صدر لي في النقد كتاب بعنوان «كشوفات» دراسة في عدد من الدواوين الشعرية، وكتاب «في أقاليم الشعر» وهو دراسة نظرية تطبيقية لدواوين شعرية، وكتاب «نوافذ» اخترت فيه بعض القصائد لدراستها من منظور جمالي تذوقي يعتمد على حساسية الشاعر بالدرجة الأولى والحصيلة النقدية التي حصلت عليها ناتجة عن دراستي الخاصة وليس دراسة أكاديمية..
– الأدباء أكثر الناس تأثرا بالأزمة، كيف انعكست الأزمة على إبداعاتك؟
— أنا من الذين عاشوا الأزمة منذ اندلاعها، فكما ترين منزلي كان على خط التماس، فكم من ليلة نمنا على أصوات الرصاص والانفجارات، وقد أدركت منذ اللحظات الأولى أنها مؤامرة لذلك تناولتها في كتابي «لأقمار الوقت» أخذت جزئيات صغيرة، وحاولت أن تكون المسألة الفنية أساسية في بناء القصائد، واعتقد أنني حققت شيئاً، وإن هذه الأزمة ستحتمل الكثير من الكتابات المستقبلية، اعتقد أن الجزئيات التي لم ينتبهوا لها أثناء الحريق ستكون مادة حيَّة وحقيقية وشاهدة على هذا الزمن للأجيال القادمة، ولكم أنا أسف وحزين لأن البعض حملوا القلم ووصل بهم للانحراف والذهاب إلى الخط الوهابي الداعشي.
– وسط هذه الفوضى والتخبط، ماهي رؤيتك في القصيدة النثرية؟
— لقد اعتبرني البعض عدواً للقصيدة النثرية ولكنني لست عدواً لها، وقد كتبت في كتابي «كشوفات» المرحوم خير الدين الأسدي الذي كتب أغاني القبة وليس فيها من الشعر الموزون ولكنها على درجة عالية من التألق والإبداع لكنني اعتبر أن القصيدة العربية جزء من بناءاتها الروحية، فالإيقاع ليس فضلي، والمشكلة في الإيقاع موهبة لا يمكن تعلمه، وقد وجد الكثيرون أنه ليس لديهم القدرة على كتابة الموزون فاتجهوا للنثر ويمكن تقييم النص بقدر جودته وعلوه الأدبي.
– عُرف عنك عشقك للفلكلور الشعبي وقد تركت بصمة واضحة، حدثنا عن رؤيتك واقتراحاتك للحفاظ عليه؟
— شدني منذ طفولتي المبكرة الغناء والصوت الجميل، ويحزنني أن يتراجع هذا الفن لدرجة الانهيار في المناطق التي كان تقدر هذا الفن فأصبحت أعراسها تقام على أشرطة الكاسيت وبدأ ينقرض هذا الفن، واعتقد أن الجهات المعنية قد قصرت في توثيق هذا الفلكلور بعكس بعض البلدان العربية التي وثقت تراثها الفولكلوري، وقد واظبت على تقديم برنامج «هنا حمص» و«آفاق» لسنوات حيث كنت اقتطع كل يوم دقيقتين أو دقيقتين ونصف لتقديم أحد الأغاني الفولكلورية، وقد جمعت في مكتبتي ما استطعت جمعه من أشرطة كاسيت لهذا الفن.
أما عن رؤيتي في الحفاظ على التراث فهي: ضرورة توثيقه بكل منطقة سورية، فسورية غنية بالتنوع الفولكلوري من الغناء البدوي في البادية حتى قرى شرق حمص حتى الوعر.. هذا الفلكلور يحتاج توثيق وتسجيل، وتقديم بعض السهرات عن تونس مثلا التي فيها في كل مدينة فرقة فلكلورية, فالفولكلور شاهد على الكلمة وعلى العادات وشاهد على بعض المراحل التاريخية, لماذا لا يكون في إذاعة دمشق مديرية للفنون التراثية؟ تهتم بتقديم هذا التراث، ويكون القائمون دارسين ومختصين ومهتمين بهذا الفن بشكل حقيقي.
سلوى الديب
التاريخ: الاثنين 15-7-2019
الرقم: 17024