برغم الحذر الشديد في الحديث عن خلفيات القرار الإماراتي الانسحاب من اليمن، إلا أنه ومن دون شك يعكس تخبطاً واضحاً داخل منظومة دول التحالف السعودي الأميركي في الحرب على اليمن، الحرب التي لم تحقق أي نتائج تذكر على الأرض سوى الدمار والموت الذي خلفته بحق الشعب العربي اليمني، بل على العكس من ذلك فقد كان لتلك الحرب نتائج عكسية وخيمة على دول التحالف لاسيما على نظام آل سعود الذي بدا العجز والإخفاق عنوان حربه على الشعب اليمني.
الانسحاب الإماراتي قد يقرأ من عدة زاويا ومن أبعاد مختلفة، خصوصاً وأنه كان مفاجئاً من قبل أبو ظبي ودون التنسيق مع النظام السعودي، لكنه بالمجمل يلتقي عند (نظرية الهزيمة في الحرب)، وهذا الأمر يشرع الباب على تداعيات واحتمالات خطيرة لهذا الانسحاب قد تبدأ من تصدع ولاحقاً انهيار منظومة تحالف العدوان برمتها، ولا تنتهي عند تصاعد وتيرة حدة الخلافات بين دول التحالف الذي ولد ميتاً ومعاقاً.
توقيت الانسحاب يحمل دلالات ورسائل كثيرة، خصوصاً أنه يأتي في ظل تصعيد واضح في الأجواء الدولية وتحديداً في منطقة الخليج بتحريض أميركي وسعودي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، وهذا يدخل ضمن الحسابات الإماراتية الخاصة ضمن سياسة (النأي بالنفس ) تفادياً لمخاطر الانزلاق بحرب إقليمية وعالمية لا يمكن لأحد تحمل تبعاتها وأخطارها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتاح دول التحالف حيث تجاوزت كلفة العدوان حتى اللحظة المئة مليار دولار، لكن هذا الانسحاب لا ينفي أن يكون له أهداف تكتيكية واستراتيجية محضة لم تعلن غاياتها بعد أي إعادة تموضع في التحالفات المرتقبة في حال اندلاع أي حرب في المنطقة قد تكون دول الخليج أول الخاسرين فيها.
لطالما كان الاختلاف واضحاً في الأهداف والطموحات بين النظام السعودي والإمارات وهذا يعود الى الحسابات والرهانات والتحالفات السياسة المتباينة والمتمايزة بين الطرفين، النظام السعودي يؤرقه شمال اليمن ولاسيما منطقة صعدة، وخلافاً للأخير، تراهن الإمارات منذ بداية العدوان على توسيع مصالحها الحيوية تحت سيطرة جبل علي، من ميناء عدن إلى شبوة وسقطرى حتى القرن الإفريقي وساحل البحر الأحمر.
وكان مسؤول إماراتي كبير قد أعلن قبل يومين قرار بلاده سحب قواتها الموجودة في اليمن ضمن خطة إعادة انتشار، عازياً هذا القرار إلى أسباب «استراتيجية وتكتيكية «، وبحسب وكالات الأنباء الأجنبية فقد أضاف المسؤول الإماراتي الذي رفض الكشف عن اسمه أن أبوظبي تعمل على الانتقال من «استراتيجية عسكرية» إلى خطة تقوم على تحقيق «السلام أولاً، مضيفاً أن هناك انخفاضاً في عديد القوات لأسباب استراتيجية في الحديدة غرباً وأسباب تكتيكية في مناطق أخرى.
وفي هذا السياق فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز « الأميركية تقريراً لمراسليها ديكلان والش وديفيد كيركباتريك تناولت فيه انسحاب معظم القوات الإماراتية من اليمن وتأثير ذلك على الجهود السعودية في الحرب واحتمال أن يكون الانسحاب مؤشراً على الاقتناع بضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية.
وأوضح التقرير أن الانسحاب الإماراتي جاء برغبة مدفوعة في الخروج من حرب أصبحت تكلفتها مرتفعة للغاية، حتى لو كان ذلك يعني غضب حلفائهم السعوديين، وبين التقرير أن أبو ظبي قلصت الشهر الماضي انتشارها حول الحديدة، و ميناء البحر الأحمر الذي كان ساحة القتال الرئيسية للحرب في العام الماضي، بنسبة 80 في المئة إلى أقل من 150 رجلاً و قاموا بسحب المروحيات الهجومية والأسلحة الثقيلة.
وقال المعهد الملكي المتحد للخدمات، وهو مجموعة بحثية في لندن، إن الانسحاب الإماراتي سيكشف للسعوديين حقيقة أن هذه الحرب فاشلة لأنه سيخبرنا أن اثنين من الخصمين الرئيسيين في التحالف(النظام السعودي والإمارات)، ليس لديهما نفس الفكرة عن شكل النجاح.
فؤاد الوادي
التاريخ: الثلاثاء 16-7-2019
رقم العدد : 17025