الملحق الثقافي:
يرى جيليان موريس كاي، وهو ناقد فني، أن العلاقة بين الفنون البصرية وعلم التشريح غنية ومتنوعة، وتشمل توضيحاً تشريحياً للجسم من قبل علماء التشريح ودراسة التشريح من قبل الفنانين، في حين أن الإبداع الفني نفسه لديه أساس عصبي وظيفي. هذه الجوانب من العلاقة بين الفن والتشريح، كانت موضوعاً مثيراً للبحث من قبل العلماء ومن ناحية الفنانين على السواء. إذ إن الفن يحتاج إلى التشريح وفهم آلية عمل الجسم، وفي المقابل فإن علماء التشريح يحتاجون إلى فهم علاقة الإبداع الفني بالجملة العصبية.
يتطلب إنشاء مصنوعات ثنائية وثلاثية الأبعاد كلاً من البراعة اليدوية والقدرة على «رؤية عين العقل». هل يمكننا استنتاج العملية الإبداعية من الأدلة الموجودة حول تطور الإبداع الفني البشري؟ لا يمكننا أن نعرف عمليات التغيير العصبي التي أدت إلى تطور الدماغ البشري مع القدرة على الإبداع الفني والتقدير الجمالي، ولكن كل من تاريخ صنع الأدوات والتحف الفنية «الأولية» توفر أدلة على ما كان عليه الدماغ المتطور وقدرته على إدراك وتوجيه الأيدي للبناء. تمت دراسة هذا الموضوع من خلال توفير تحليل أعمق للفهم الحالي للأصول التطورية للأساس التشريعي العصبي للفن وعلم الجمال.
ومن خلال وصف الدراسات التشريحية العصبية للفنانين الذين أصيبوا بتلف في الدماغ، أظهرت الدراسات أيضاً أن الإبداع الفني لا يقع في منطقة منفصلة من الدماغ، ولكنه وظيفة عصبية معقدة ومشتتة ومرنة. يرى الباحث توماس جاكوبسن أن هذا الموضوع يمتد إلى علم الجمال العصبي، من خلال نهج نفسي إدراكي لمفهوم الجمال. من خلال بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفية، يقدم دراسات حول المعالجة العصبية لتصور الجمال.
التوضيح التشريحي مهم بشكل أساسي لتعليم ودراسة علم التشريح. يقدم الباحث مارتين كيمب نظرة عامة شاملة على التغييرات الأسلوبية لتوضيح النصوص التشريحية من القرن الخامس عشر حتى يومنا هذا، مع بعض الأفكار الرائعة حول العلاقة بين الفن التشريحي ومعرفة علم التشريح المتأصل في لوحات أسياد عصر النهضة. كان للرسومات التوضيحية المبكرة تأثير عميق على نماذج الشمع الأولى، كما يظهر أليساندرو ريفا وزملاؤه، مع إشارة خاصة إلى لوحات فابريشيوس وغيرها في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وإلى نماذج الشمع الجميلة للغاية التي صنعها كليمنت سوسيني في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.
ومن خلال النظر والتدقيق في الشموع التشريحية، نرى أن عارضي الشمع دقيقون للغاية في تصويرهم لدرجة أن أحد عارضات سوسيني لامرأة حامل صغيرة استنسخ عيباً في القلب والأوعية الدموية، ويفترض أنه سبب الوفاة. تواجه الناقدة روبرتا باليستريرو، في مقالها عن الشموع التشريحية، مسألة ما إذا كان ينبغي اعتبار هذه النماذج فنًا أو حرفة. وتسأل كارولين ويلكنسون سؤالاً مشابهاً عن عملها في إعادة بناء الوجه، وهي عملية تتطلب معرفة دقيقة بالتشريح. ومع ذلك، تكون درجة الدقة الفنية مناسبة ولا مفر منها في حالة وجود مكونات غير معروفة للتشريح، مثل تفاصيل الأذنين ولون البشرة. العناصر التي لا يمكن التنبؤ بها أقل مما قد يتصور المرء – التفاصيل الهيكلية ترشد حجم فصوص الأذن وشكل الجزء اللين من الأنف إلى حد مفاجئ.
منذ عصر النهضة، أدرك الفنانون أهمية المعرفة التشريحية لعملهم الإبداعي (على الرغم من أن هذا غير معترف به عالمياً اليوم). قام الفنان الروماني كونستانتين برانكوزي قبل أن يخلق أشكالاً من الجمال البسيط المميز الذي اشتهر به، بدراسة علم التشريح، وصنع شكلين على الأقل من الأشكال الكاملة الحجم.
العلاقة بين الفنان العامل وعلم التشريح هي علاقة وطيدة، وعرض العلاقة بين الفنان وجسم الإنسان والجمهور هي في حوار مستمر. هذه العلاقة تضيء الأفكار المعاصرة للجسم في الحياة والموت والمرض ضمن السياقات المعمارية المناسبة.
لن يكون هناك أي فهم الفن والتشريح بدون مقال يوضح استخدام رسومات الحاسوب في التصوير الطبي الحديث. أي إنشاء صور ثلاثية الأبعاد تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر من بيانات الفحص السريري مثل التصوير بالرنين المغناطيسي. يتم استخدام أدوات الرسوم المتحركة الرقمية لإنشاء صور تشريحية ممتعة بصرياً يمكن الوصول إليها من قبل المشاهد العادي، بهدف نهائي هو إنشاء أداة للتواصل بين الأطباء ومرضاهم.
يستمر التقدم في العلم، ولا يمكن أن يتوقف عند مرحلة معينة، وكذلك فإن العمل الفني والإبداع لا يمكن أن يتوقف، لذلك فإن تقدم الأول يفتح المجال لتقدم الآخر، ويتطور العمل الفني بتقدم العلم، وكذلك فإن العلم يستفيد من العين الرشيقة والثاقبة للفنان في تمثيله للأشكال البشرية، وتحميلها أبعاداً لا يمكن أن تراها العين العادية.
الفن مفتاح تطور الحياة، ولزاماً على العلم أن ينظر إلى الفن نظرة احترام ووسيلة للتقدم في الحياة. وسيكون من الملفت أن يتعاضد العلم والفن في خلق رؤى جديدة لعالمنا، ولطريقة عمل أجسادنا في الطبيعة. إننا مضطرون لتحميل أنفسنا عناء البحث في شكلنا الخارجي وكذلك في المراكز المخفية داخل جماجمنا وتحت جلودنا. نحن كائنات معقدة، ولذلك فإننا نمتلك جرأة غير عادية لنكون أفضل وأقوى وأرقى.
التاريخ: الثلاثاء15-10-2019
رقم العدد : 969