كافكا وبيسوا وبافيزي العزلة الاجتماعية والعاطفية

 

الملحق الثقافي:

 عن مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة صدر كتاب بعنوان: «ما لا يُدرك»، وبعنوان فرعي «النساء في حياة وأعمال فرانز كافكا وفرناندو بيسوا وتشيزاري بافيزي» للكاتب الأرجنتيني لويس غروس، ونقلته إلى العربية عن الإسبانية د. زينب بنياية.
في هذا الكتاب المميز يجمع المؤلف بين ثلاثة من أبرز الأدباء العالميين في القرن العشرين، هم: فرانز كافكا، فرناندو بيسوا، وسيزار بافيسي. وهذا الجمع ليس اعتباطياً، إذ إن حياة هؤلاء الثلاثة، الذين اشتهروا بـ «المعذبين»، تلتقي في عدة أشياء، رغم الاختلافات فيما بينهم. وهنا، يستعرض المؤلف المفاتيح التي تسلِّط الضوء سواء على أسلوب حياتهم، أو على مناحٍ إشكالية من نصوصهم.
يتشارك كافكا، وبيسوا، وبافيسي في الشخصية المضطربة، والخوف المرضي من مواجهة الحياة -أو بالأحرى، من قيود الحياة؛ في الكتابات التي لم تكتمل أو لم تُنشر، في الرحيل المبكر، وفي المفارقة التي تكمن في الشهرة بعد الرحيل وخمول الذِّكر والفشل خلال حيواتهم.
اختار الباحث الأرجنتيني لويس غروس التنقيب في يوميات ورسائل كل من فرانز كافكا (1883- 1924) وفرناندو بيسوا (1888 – 1935) وسيزار بافيزي (1908- 1950) كنماذج لكتّاب عاشوا انعزالاتهم الاجتماعية والعاطفية، ويسعى غروس إلى فهم أسباب هذا الإخلاص للعزلة، وعدم قدرة الكتّاب الثلاثة على تكوين أسرة وإنجاب أطفال، وأيضاً العجز عن المحافظة على علاقات عاطفيّة طويلة. يستند غروس إلى فرويد ولاكان في تفسيره لتمظهرات الرغبة والعاطفة عند كافكا وبيسوا وبافيزي، ويقول إن ما قاد خطواته إلى إنجاز هذا العمل هو: «تفاؤل الإرادة لغرامشي، والحس المتمرد والعبثي لكامو، والمفهوم السارتري الذي يفيد بأن الوجود يسبق الجوهر».
يرى غروس أن كافكا «بحث في العالم الأنثوي عن قوة موازية للفحولة الأبوية المستبدة» التي فرضها والده هيرمان، في حين نشأ بيسوا بعيداً عن والدته؛ الظرف الذي يقود «إلى التساؤل حول آثاره المحتملة في انحباس الشعور لديه، والذي سيمنح أعماله لاحقاً نبرة خاصة: تجريد في الأحاسيس والانطباعات، امتلاء فارغ، غياب عن الذات وعن العالم، وأسلوب يتراوح بين الغموض والصفاء».
وفي ما يتعلّق بحالة بافيزي، فقد ربط الباحث بين موت والد الكاتب وتسلّط والدته، حيث سيطبع ذلك حياته بأعراض «استغراب الواقع، وغياب صورة رجولية كمرجعية، وضعف القدرة على تحمل الصراع، وصعوبات شديدة في الارتباط بما هو واقعي وبالعالم الرجولي، و»يبدو أن هذا الشرخ سيطبع العلاقات الحذرة التي سيقيمها بافيزي مستقبلاً مع الجنس الآخر».
يعتبر غروس الهدف من أدب اليوميات والرسائل قول شيء ما لشخص ما، أو «استخدام الآخر كوسيط لحوار ذاتي لامتناه».
يعتمد الباحث في شرح الأنثى من جانب تفكير الذكر على فرويد ولاكان، قبل أن يدخل إلى كافكا «الذي كان يهتم طيلة الوقت بتذكير نسائه بأن الأدب هو الشيء الوحيد الذي يهمّه حقاً». إلا أن قراءة رسائل كافكا ويومياته تكفي لملاحظة أن المرأة كانت هاجساً له رافقه حتى الموت؛ حيث نقطة اللقاء بين المرأة والأدب، اللذين كان يطلب منهما المستحيل. يكتب كافكا في يومياته «وأنا شاب كنت بريئاً ولا مبالياً بأمور الجنس كما أنا اليوم لامبالٍ بنظريّة النسبيّة».
أما بيسوا فقد عاش فصاماً، وإنكاراً ظاهرياً للحب، أو التعبير عن كراهية النساء باسم مستعار هو «سواريس».
المرأة بشكل عام في روايات الكاتب الإيطالي بافيزي «ثروة محكوم عليه بأن يضيعها»، وأن استحالة الحصول على الحب أو إلى التواصل ستقوده إلى أن «القاعدة البطولية الوحيدة هي البقاء وحيداً»، هكذا يقول في «مهنة العيش».
كان هناك غياب شبه تام لحضور المرأة الحسيّ، في حين تظهر أو تتسلل صورتها مموهةً في تعميم يقترب مما هو فلسفي أو من الفن التجريدي، «أملك مزاجاً أنثوياً مع ذكاء رجولي» هكذا وصف بيسوا نفسه ذات مرة، وعمّا كان يقصده بالأنثى يمكن الاستعانة باقتباس في ملاحظة أضيفت إلى «كتاب القلق»: «أنتِ لست امرأة، إنك حتى لا توقظين داخلي أيّ شيء أشعر أنه أنثوي، فقط عندما أتحدث عنك تسميك الكلمات امرأة». وطبعاً هذا مناف للطريقة التي يجلب فيها المرأة إلى أعماله، حيث تبدو الأنوثة هو ما يفتش عنه ويسعى جاهداً لأن يجده.
يستخلص غروس أن ما جمع كافكا وبيسوا وبافيزي هو أنهم اتخذوا من الأدب زوجة، والعلاقات أو الخطوبات القصيرة والصداقات الحميمة ما كانت إلا مسألة ظرفية وطارئة على اهتماماتهم مردّها رغبة آنية، لم تخدم شيئاً سوى أدبهم. وربما يكون هذا غير صحيح، لأن هذه النزعة الإبداعية تحتاج بالضرورة إلى وجود الطرف الآخر، المرأة.
صحيح أن الثلاثة لا يتمتعون أبداً باستقرار عاطفي، ولكن هذا لا يعني أبداً أنهم لا يقدرون الأنوثة حقها. لقد أمضوا حياتهم في قلق وتوتر عاطفي. هذا التوتر والقلق أوصلهم جميعاً إلى أن يموتوا في عمر قصير، من دون أن يتزوجوا.
لم يكن كافكا ولا بيسوا معروفين في حياتيهما، فهما كانا مجهولين بالنسبة إلى القراء تماماً. أما بيسوا فقد طبع كتاباً واحداً خلال حياته وكان السبب هو حاجته لمال المسابقة التي شارك فيها ونال الجائزة الثانية. وبالنسبة إلى كافكا، فإنه لم ينشر أي كتاب خلال حياته، بل إنه قد أوصى ماكس برود بإتلاف كل مخطوطاته بعد موته. ولم يقم برود بتنفيذ وصية صديقه، ونشرها، وهو بهذا أتحف المكتبة العالمية بأدب فريد من نوعه.
يذكر كافكا أنه تعرف على عدد كثير من النساء، وأنه كان يميل إلى المراهقات والخادمات والزوجات الخائنات. وقد كتب رسائل إلى صديقته ميلينا، التي كانت الوحيدة التي نعته أثناء موته قائلة: «لقد توفي أمس، فرانز كافكا، كاتب ألماني كان يعيش في براغ. قلة هم من يعرفونه هنا، لأنه كان منعزلاً. إنه رجل حكيم يهاب الحياة».
هذا هو كافكا أثناء حياته، غير معروف وغير ذي أهمية بالنسبة إلى محيطه. وبعد موته، تنبه العالم أجمع إلى ما كتبه هذا الرجل الفريد من نوعه.
لقد كتب في يومياته عن علاقاته العابرة مع كثير من النساء، من دون أن يتطرق إلى عمق العواطف أو الأحاسيس التي كانت تنتابه أو التي شعر بها.
وبالنسبة إلى بيسوا فقد تعرف إلى الكثير من النساء اللواتي لا يعرف حتى أسماء معظهن. ولقد أحب فتاة اسمها أوفيليا كيروس، كانت مراهقة ولم يستطع العيش من دونها. وكان يطلق عليها «جسد الغواية الصغير». هذه الفتاة التي كتب عنها بعض قصائد الحب، كانت هي الأخرى لا تستطيع أن تبتعد عنه. مات بيسوا 1935، ولم يكشف النقاب عن مخطوطاته إلا بعد خمسة وعشرين عاماً.
كتب بيسوا رسالة لأخته عن علاقاته العاطفية قال فيها: «كل واحد منا هو اثنان، وعندما يلتقي شخصان، فمن النادر أن يكون الأربعة على وفاق».
انتحر تشيزار بافيزي وهو في عمر الثانية والأربعين، وقد نشر خلال حياته بعض الكتب، إلا أن شهرته جاءت بعد انتحاره وصدور يومياته التي كانت بعنوان «مهنة العيش». وأما عن علاقاته مع النساء، فقد عاش بيسوا علاقات عابرة في مسقط رأسه في الريف الإيطالي. وهو يذكر طالبة رياضيات كان يطلق عليها «امرأة الصوت الأجش» ورطته بمراسلات أودت به إلى السجن والمنفى. ثم تركته وتزوجت برجل آخر، ما جعله يتوجه نحو العلاقات العابرة مع مجموعة من المراهقات، وهو يصف روحه بالعبارات التالية: «روح شهوانية مأساوية، وضيعة ساخرة، حسية مثالية». وقصة الحب المشهورة التي عاشها كانت مع الممثلة الأمريكية كونستانس دولينغ، التي وصلت إلى روما للمشاركة في فيلم سينمائي. ولم تستمر العلاقة بسبب عودة الممثلة إلى بلدها.
تصرح موظفة الفندق الذي كان ينزل فيه، أنه في يوم انتحاره أجرى عدداً من المكالمات مع عدة نساء، وطلب لقاءهن، ولكن لم تقبل أي منهن طلبه. ومن ثم انتحر. ويبدو أنه كان يريد أن يودع الحياة بلقاء امرأة، إلا أن ذلك لم يحدث.
ليست العلاقات النسائية المبتورة هي سبب انتحاره بالتأكيد، إلا أنها ربما تشكل جزءاً من كمّ كبير من الأسباب التي أودت بحياته. إنه يقول في أيامه الأخيرة: «هل تستغرب أن يمر آخرون بك من دون أن يعلموا، بينما تمر أنت بآخرين كثر ولا تعلم أيضاً».

التاريخ: الثلاثاء21-1-2020

رقم العدد : 983

آخر الأخبار
درعا: مطالبات شعبية بمحاسبة المسيئين للنبي والمحافظة على السلم الأهلي "مياه دمشق وريفها".. بحث التعاون مع منظمة الرؤيا العالمية حمص.. الوقوف على احتياجات مشاريع المياه  دمشق.. تكريم ورحلة ترفيهية لكوادر مؤسسة المياه تعزيز أداء وكفاءة الشركات التابعة لوزارة الإسكان درعا.. إنارة طريق الكراج الشرفي حتى دوار الدلّة "اللاذقية" 1450 سلة غذائية في أسبوع أهال من درعا ينددون بالعدوان الإسرائيلي على دمشق ‏الحوكمة والاستقلالية المؤسسية في لقاء ثنائي لـ "الجهاز المركزي" و"البنك الدولي" المستشار التنفيذي الخيمي يدعو لإنشاء أحزمة سلام اقتصادية على المعابر وزير المالية: محادثاتنا في واشنطن أسفرت عن نتائج مهمة وزارة الرياضة والشباب تطوي قرارات إنهاء العقود والإجازات المأجورة لعامليها طموحاتٌ إيران الإمبريالية التي أُفشلت في سوريا تكشفها وثائق السفارة السرية خبير اقتصادي لـ"الثورة": إعادة الحقوق لأصحابها يعالج أوضاع الشركات الصناعية عمال حلب يأملون إعادة إعمار المعامل المتضررة مركز التلاسيميا بدمشق ضغط في المرضى وقلة في الدم الظاهر: نستقبل أكثر من ٦٠ حالة والمركز لا يتسع لأك... استمرار حملة إزالة البسطات العشوائية في شوارع حلب الأونروا: لم تدخل أي إمدادات إلى قطاع غزة منذ أكثر من 7 أسابيع صحة حلب تتابع سير حملة لقاح الأطفال في منبج هل سيضع فوز الليبراليين في انتخابات كندا حداً لتهديدات ترامب؟