الملحق الثقافي:رشا سلوم:
تكشف المراسلات بين المبدعين والمفكرين على مختلف ألوانهم، الكثير مما كنا نجهله، فثمة رسائل بين كتاب أضاءت على قضايا فكرية ونقدية وكشفت كواليس نحن بأمس الحاجة لمعرفتها حين نريد قراءة سيرة وحياة هذا أو ذاك. بعض الكتاب ينشرون الرسائل المتبادلة في حيواتهم كما فعلت غادة السمان، وآخرون يتركونها لمن ينقب في أرشيفهم بحثاً عن علامات أخرى. كتاب اليوم يضيء على المراسلات بين عالمي نفس مهمين جداً، بين فرويد وكارل يونغ.
هذه المراسلات بين فرويد ويونغ هي الشاهد والدليل المباشر للقاء المثمر للغاية، والمأساوي في نهاية المطاف، بين رجلين عظيمين. فالمأساة تكمن في اللقاء نفسه، في المجرى المثير للمراسلات الذي يتحرك وفق أنموذج كلاسيكي على نحو لا هوادة فيه صوب نهايته. فلا سيرة فرويد الجديدة ولا سيرة يونغ الجديدة تغيرت تغيراً على نحو حاسم، على أن كليهما استمدّ بواعث من صداقتهما ومن نهايتها المحزنة المرّة. خلافاً للملاحظات المهذبة المجدية على منشوراتهما التي تبادلاها عن طريق المراسلة في أثناء تلك الفترة، وخلافاً لكلّ شيء كتباه عن بعضهما البعض بعد القطيعة.
تظهر الرسائل التأثيرات المتبادلة المعقّدة التي جرت بين كلا الصديقين اللذين كانا مختلفين غاية الاختلاف عن بعضهما، واللذين شعرا بأنّ كلاً منهما منجذب إلى الآخر انجذاباً شديداً. فمحاورتهما تدعو بصراحة إلى تفسير يقوم على التحليل والتحليل النفسي، كما تدعو أيضاً إلى تفكير عميق في نشوء الصداقة وتأثيراتها ومضمونها ومآلها، وتدعو إلى بروز كل ما تضمنته هذه العلاقة من اعتداءات وإسقاطات، من سماحة ومذمة، من ومضات فكرية، ومعلومات تنبئ عن المستقبل، وبعض الأشياء الأخرى التي يحلو لها أن توضع في كفّة الميزان. على أنّ مثل وجهة النظر هذه لم تكن في الحسبان وفق الرغبة الصريحة لابني كاتبي الرسائل؛ حينما اتفقا على نشر الرسائل حدّدا أنه يجب أن تعالج على أنها «وثائق تاريخية… لكي يتمّ استبعاد أي تحيّز…».
الكتاب من إعداد: ويليام ماك غوير/ فولفغانغ زاورليندر، وترجمة: صلاح حاتم، وصادر عن دار الحوار في اللاذقية.
التاريخ: الثلاثاء21-1-2020
رقم العدد : 983