الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
عني الإنسان منذ القدم بمراقبة الظواهر الطبيعية ومحاولة فهمها، وفي مرحلة تالية حاول المفكرون تفسير هذه الظواهر، ولعل هذه المحاولات كانت أولى الخطوات في الطريق الطويل للفكر الإنساني الذي كانت الفلسفة إحدى ثماره الأولى. وقد كانت الحواس من الظواهر التي رغب المفكرون في فهم آليتها، لذلك فقد جهدوا في البحث عن آلية الإبصار، ومؤخراً صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن هذا السياق، كتاب حمل عنوان (تاريخ تطور نظرية الإبصار في الحضارة العربية) تأليف: د. بثينة جلخي، يتضمن دراسة عن تاريخ تطور نظرية الإبصار بدءاً من إقليدس الذي أدى كتابه (المناظر) دوراً مهماً في التأثير في الفكر العربي الفلسفي والطبي النظري، وصولاً إلى دراسة نظريات الإبصار وكيف تشعبت وتطورت عند الفلاسفة، والرياضيين، والأطباء، وعرض حجج بعضهم ضد بعض وردودهم على هذه الحجج.
وتقول مؤلفة الكتاب في مقدمته: «إن محاولة اختصار جميع الآراء التي حاولت تفسير آلية الإبصار، مسألة مهمة للتقديم لكتاب من هذا النوع، وخاصة باللغة العربية، التي تكاد تخلو من كتاب في تاريخ العلم أو في تاريخ الفلسفة يلخص أو يعرض نظرية الإبصار».
الإبصار عند اليونان
جاء هذا الكتاب في بابين رئيسيين متضمنين فصولاً أساسية ليسهل على القارئ والمختص الرجوع إليها ومعرفة محتواها. وقد حمل الباب الأول منهما عنوان (نظريات الإبصار عند اليونان)، وتضمن هذا الباب عرضاً لنظريات الإبصار عند أبرز علماء اليونان كفيثاغورث الذي رأى أن الإبصار يكون بخروج دقائق أو ذرات من المُبصَر إلى العين، وعندما تقع هذه الدقائق على العين يتم الإبصار. وإمبذقليس الذي خالف نظرية فيثاغورث في الإبصار، حيث إن الإبصار برأيه يكون بخروج عناصر من العين تتصل بعناصر أخرى من نوعها تخرج من المُبصَر، وباتصال هذه العناصر يتم الإبصار. وأقليدس الذي وضع أول كتاب في هذا العلم بعنوان (أوبطيقي)، وما جاء في هذا الكتاب جعل العلماء العرب يؤكدون أن أقليدس هو أول أصحاب نظرية الشعاع، التي تقول بخروج شعاع من العين إلى المُبصَر، وهذا الشعاع هو بمنزلة أداة اتصال تنقل من المُبصَر إلى العين ما ينجم عنه الإحساس.
الإبصار عند العلماء العرب
يتناول الباب الثاني من هذا الكتاب ذي العنوان (نظريات الإبصار عند العلماء العرب) دراسة نظريات الإبصار عند العلماء العرب بدءاً من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الثالث عشر الميلادي، والحديث عن اهتمامهم بدراسة آراء اليونانيين في آلية الإبصار ومناقشتها؛ فالعلماء العرب كانوا فيما يتعلق بمفهوم الإبصار أمام نظريتين، هما: (نظرية الشعاع التي تقول بخروج شعاع من العين إلى المُبصَر – ونظرية الانطباع التي تقول بانطباع صورة المُبصَر في العين)، فمنهم من تبنى نظرية الشعاع ونقض نظرية الانطباع مثل الكندي الذي تبنى بعض آراء إقليدس ونقض بعضها الآخر، ومنهم من تبنى نظرية الانطباع ونقض نظرية الشعاع مثل أبي بكر الرازي الذي قال بتشبح الأشباح في البصر، ومن بعده ابن سينا الذي شرح آراء أرسطو، وأثبت صحتها ببراهين فيزيائية لم يتطرق إليها أحد من قبله، وهناك من وقف موقفاً توفيقياً بين أصحاب النظريتين مثل الفارابي، إلى أن حسم ابن الهيثم الخلاف بينهما حسماً لم يسبقه إليه أحد في تاريخ العلم، ووضع نظرية جديدة في الإبصار لم تنشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي على يد كمال الدين الفارسي.
يقع هذا الكتاب في ٣٥٣ صفحة من القطع الكبير.
التاريخ: الثلاثاء21-1-2020
رقم العدد : 983