واحدة من المُفارقات العجائبية التي تُسجل مُعدلات غير مسبوقة في الكذب والنفاق، في التناقض الصارخ، في الازدواجية المَقيتة، هي تلك التي تَطرحها وثيقة مؤتمر برلين الخاص بليبيا الصادرة عن الأطراف المشاركة فيه!
التصريحات التي تَحمل الشيء ونقيضه، الخطابات الكاذبة، المُداولات والتجاذبات الملونة بأشكال التكاذب المنطوية على التوحش، قبل وأثناء المؤتمر هي جزء لا يتجزأ من الوثيقة، بالتأكيد ستُمثل بعد انتهائه الامتداد لحفلات الدجل التي تُقيمها أطراف «برلين» بحثاً عن حصة في الكعكة الليبية، ذلك خلافاً لكل الادعاءات الأخرى التي تُطرح تحت عناوين السلام، واحترام السيادة، وعدم القبول بالتدخل في شؤون الدول!
من ماكرون فرنسا، إلى بومبيو أميركا، مروراً بجونسون بريطانيا، وانتهاء باللص أردوغان، الكل دجال كاذب مُنافق، دوافعهم النهب، غاياتهم فرض السيطرة وتوسيع دائرة النفوذ، وليس بينها شيء مما يَدّعونه نفاقاً، بل إنهم بالانقسام الحاصل بينهم الذي يُلامس الخصومة في ليبيا، وبحالة الوحدة والاتحاد بتحالف رعاية الإرهاب والمرتزقة فضلاً عن ممارسة العدوان على سورية، إنما يُجسّدون مُفارقة اجتماع الصيف والشتاء على سقف واحد!
في برلين صيف وشتاء اجتمعا في ساعة واحدة، الشركاءُ برعاية الإرهاب، وبالحرب، والعقوبات على سورية، هم ذاتهم يَتخاصمون بشأن ليبيا، يَختلفون فيها على ما اتفقوا عليه في سورية! أيّ مُستوى من النفاق ذلك الذي يُحطمون فيه كل سقوف الدجل السابقة التي اعتلوها؟ وأي أكاذيب تلك التي يريدون للعالم أن يُصدّقها استخفافاً به؟
مَن الذي اعتمدَ اللص أردوغان وكيلاً رسمياً للإرهاب التكفيري الذي أنشأت واشنطن تنظيماته، وشكلتها من الحُثالات الإرهابية ليَحتضنها، ليُدربها، وليُمررها عبر مطاراته وموانئه وحدوده إلى سورية؟ هل هي إلا أميركا وبريطانيا وفرنسا ككتلة صلبة في تحالف الشر والعدوان؟ وهل تختلف اليوم مع اللص المُعتمد، إلا لأنها وجدته يَتمدد بأطماعه بما قد يَنال من حصتها في النهب والسرقة المَوصوفة التي تُمارس في سورية كما في العراق وليبيا؟
لا قيمة لتعبير مايك بومبيو عن القلق من وجود قوات أجنبية بليبيا – في إشارة لقوات اللص أردوغان ومرتزقته – ولا معنى للدعوة المُنافقة التي وَجهها بوريس جونسون للوكلاء الخارجيين ليَكفوا عن التدخل بالحرب في ليبيا، وربما لا تُمثل إلا ذروة النفاق تصريحات إيمانويل ماكرون التي أكد فيها وجوب أن تَكفّ تركيا عن إرسال المُرتزقة إلى ليبيا!
أردوغان مُجرم حرب ولصٌّ مُحترفٌ، ينبغي مُحاسبته ليس بسبب إرساله المرتزقة إلى ليبيا فقط، وإنما بأثر رجعي على كل ما ارتكبه من جرائم مَوصوفة مُوثقة في سورية والعراق كشريك رسمي مُعتمد لأميركا، لا يتحرك إلا بأمرها وتحت إشرافها، وتجب محاكمته على جرائمه التي يرتكبها داخل تركيا كطاغية مُستبدٍّ يُصفي جسدياً وسياسياً خصومه، ويَزجّ بنُخبهم في السجون، على أنّ محاكمته ومحاسبته لا تُسقط بحال من الأحوال واجب محاكمة ومحاسبة مجرمي الحرب في واشنطن – إدارة بوش، فريق أوباما قبل ترامب – وباقي الشركاء، في لندن وباريس كرُعاة للإرهاب.
الافتتاحية بقلم رئيس التحرير علي نصر الله
التاريخ: الأربعاء 22 – 1 – 2020
رقم العدد : 17174