هل نراوح بالمكان؟ اليس من حقنا أن نطرح عشرات الأسئلة الكبرى ونحن على تخوم تحولات هائلة لم تتوقف أبدا, يوم انهار الاتحاد السوفييتي, كانت رؤية القائد المؤسس حافظ الأسد هي عين الصواب حين قال بما معناه: إن الذي يجري تحول كبير وزلزال سوف تتبعه ردات كثيرة وتحولات قد لا تستقر لزمن بعيد, وبعيدا عن أي إسقاطات سياسية, فما جرى كان انهيار منظومة تفكير, في السياسة والفكر والأدب, وغير ذلك من العلاقات التثاقفية بين حضارات العالم, هذا كله يدعونا لأن نسأل أنفسنا: اين نحن مما يجري اليوم, وهل بقيت القضايا الفكرية والسياسية التي انشغل بها مفكرونا منذ القرن التاسع عشر, أي بداية اليقظة العربية, هل بقيت هي هي ؟
بل ما الذي تحقق, وأين وصلنا ما ردات الفعل تجاه القضايا الكبرى, ومن المعروف أن أي قضية وتحول سياسي ليس إلا نتيجة حتمية لتحولات ثقافية وفكرية واجتماعية, واقتصادية, تمظهرت بلحظات التحول الحتمية بشكل سياسي, اخذت لبوسه, ولكننا لوفككنا بنيتها وقرأناها جيدا لوجدنا ما وراء الأكمة, ووضعنا أيادينا على الجرح النازف.
لن ندعي أننا قادرون على تحديد ما الذي تغير, وهل حلت أولويات مكان الاخرى, لكن الأمر ليس بمثل هذه الصعوبة, فثمة دراسات مهمة قدمها كتاب ومفكرون, تناولوا من خلالها ملامح القضايا الفكرية التي شغلت المفكرين والمثقفين العرب خلال القرنين الماضيين, ومن هؤلاء المفكر السوري الراحل جلال فاروق الشريف, الذي توقف في كتابه المهم: عند بعض قضايا الفكر العربي المعاصر, عند مثل هذه المراجعة للقرنين الماضيين التاسع عشر والعشرين حتى منتصفه, ومن خلال تصنيفه المفكرين العرب يبرز ما كانوا يعملون عليه, فهم حسب تصنيف الشريف وحسب اتجاهاتهم حينها:
– لقد كان الطابع الاساسي للفكر العربي منذ أن ظهر المثقفون العرب الاوائل في القرن الماضي (صار الآن ما قبل الماضي) هو أنه كان فكرا سياسيا بمعنى أن الشعور الملح بالحاجة إلى تطوير المجتمع العربي وجعله على مستوى العصر الحديث كان هدفه الأساسي.
– لقد نشأت الفكرة كنتيجة مباشرة لمتطلبات الواقع العربي الملحة بعد أن بدأ هذا الواقع يتحرك, لاصطدامه بالاستعمار, فقد ايقظت الصدمة الاستعمارية التفكير العربي على العصر الحديث, وعلى ضرورة تجديد المجتمع العربي وتحديثه.
– نتيجة السابق فإن الفكر العربي في يقظته ( القرن 19) كان محاولة لتقديم أجوبة عن مسائل راهنة مطروحة عليه, هي: كيف يمكن تحديث المجتمع العربي, وعلى أي اساس يجب أن يتم هذا التحديث ؟
– برز لدى المثقفين العرب, اتجاهان:
الأول: سلفي يقول بالعودة الى التراث وتحديث المجتمع العربي من خلاله وتطويره.
الثاني: جدي راديكالي يقول بتحديث المجتمع العربي بالاعتماد كليا على معطيات العصر الحديث, سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
هذه هي الخطوط العريضة للقضايا التي شغلت المفكرين العرب في القرنين الماضيين, التاسع عشر والعشرين,وقد لخصها الشريف بقوله: إن السلبية البارزة عند الكثيرين من المثقفين العرب الأوائل هي ضعف رؤيتهم للمسألة القومية وارتباك هذه الرؤية وتشويشها واضطرابها, ولعل ذلك راجع إلى ضعفهم الفكري بصورة عامة من جهة, وإلى قسوة الواقع السياسي من جهة ثانية, متمثلا في شدة وطأة الاستبداد العثماني.
وماذا عن الحاضر؟
هذه رؤية سريعة للقضايا التي انشغل بها المثقفون العرب لقرنين من الزمن, تبدل الاحتلال العثماني بالاحتلال الغربي, وبقيت قضية التحرر الشغل الشاغل للجميع, دخل عامل آخر هو الاحتلال الصهيوني وما نتج عن ذلك, وفي المجتمعات التي طردت المستعمر, ظهرت قضايا كبرى ثقافية وفكرية واجتماعية, رأينا خطوطها, وبالمقارنة بين ما كان وما نحن عليه, واستنادا على قراءة التحولات السياسية الكبرى كان انهيار الاتحاد السوفييتي القشة التي قصمت المشهد, واليوم في لحظة التغول الاميركي, ومايجري في المنطقة, يبقى السؤال الذي يجب أن يطرح: هل غادرنا القضايا السابقة, أم بقيت هي ذاتها, بمعنى آخر أن كل ما كان في مجتمعاتنا ليس إلا فقاعات, أم أن الغرب لايريد لها أن تبدأ نهضتها, وكلما فعل بلد عربي ذلك, تكون خطط التآمر جاهزة, وبالتالي فالفكر وقضاياه ستبقى عند النقطة السابقة, وما جرى على سورية من حرب عدوانية, كيف تمظهر لدى المفكرين والمثقفين, سورية التي غيّرت العالم, ما الذي غيّرته في الفكر العربي ؟؟
دائرة الثقافة
التاريخ: الخميس23-1-2020
الرقم: 17175