هل هو صراع مع الحطام؟ أم هو صراع داخل الحطام لنسف ما تبقى من خيارات السياسة والدبلوماسية التي كانت منظومة الإرهاب، ولاسيما الأميركي والتركي، يمتطيانها للقفز فوق القرارات والاتفاقات والالتزامات التي كانت تحد من خياراتهما وطموحاتهما الاحتلالية والاستعمارية.
وإذا كنا نتوقع أن نعثر في رأس ترامب على حقول للنفط والغاز ومقابر جماعية للديمقراطية والحرية، فإننا نتوقع أن نعثر في رأس أردوغان على مصانع للطرابيش العثمانية وناطحات للجماجم والعظام!؟.
بات يقيناً أن الأخير لا يزال يراهن على أن نزع الصاعق وتفجير الميدان وحده سوف يؤدي الى إحداث تغيير دراماتيكي في المعادلات الراهنة، بما يتعدى تأثيرها كل التوقعات وبما يلبي كل الطموحات والأوهام التي تعشش في تلك الرأس العفنة التي تختبئ تحت الطربوش العثماني، فأردوغان يجسد الصورة الأبرز لهذه القناعة أي قناعة الدفع باتجاه التصعيد حتى ضرب البنية التحتية للعناوين الأساسية التي تصوغ المشهد لأنها كانت ولا تزال تكبح توحشه وإرهابه ودمويته.
هذا الأمر لا ينطبق على المشهد السوري فحسب، بل ينطبق على المنطقة برمتها، ذلك أن كل العناوين المستجدة التي تخلقها متغيرات اللحظة تجعل من الأيام القادمة مسرحاً لمواجهة محتملة بين الأطراف المتحاربة على الأرض، وهذا الأمر ليس وليد اللحظة بطبيعة الحال، بل هو نتاج لتراكمات من التسخين والتصعيد ومحاولات العبث بقواعد وحوامل الواقع الذي ولّد قناعة لدى كل اللاعبين الأساسيين بأن قلبه وتغييره يعني التدحرج سريعاً نحو الحرب التي قد تلتهم ألسنة لهيبها مساحات واسعة قد تكون خارج حدود المتوقع والمعقول.
ثمة حقيقة تلمع من بعيد تؤكد أن أردوغان ليس في ذروة قوته كما يعتقد الكثيرون أو كما يبني بعض السياسيين تحليلاتهم ومواقفهم بحكم التحالفات القائمة، بل هو في ذروة عنجهيته وغروره، وهذا يعني أنه في ذروة ضعفه، إنها لعبة السياسة والمصالح، ولعبة القيادة ومهارة استخدام المكابح السياسية قبل الارتطام بحقائق التاريخ والذاكرة والزمن التي لايجيدها، إنها لعبة تبادل الأدوار وتبديل الزوايا، فأردوغان اليوم يقف على حافة الهاوية، فأي من حلفائه مستعد لدفعه إليها عندما ينتهي دوره، وهذه حقيقة يجب أن نراها جيداً، انطلاقاً من أن «السلطان» لا يدير معركته وفق الحدود التي رسمتها له اللحظة الاستثنائية التي أغرته بتجاوز كل الخطوط الحمراء، بل هو يدير معاركه وفق الحدود التي رسمتها له الذاكرة العثمانية.
في التوصيف الميداني يبدو واضحاً أن المشهد لا يزال يسير وفق مسارين متناقضين، المسار الأول هو المسار الأكثر وضوحاً وثباتاً ورسوخاً وهو الذي تقوده الدولة السورية من خلال إستراتيجية محاربة الإرهاب وفق خطط واضحة ثابتة ومعلنة، وبخطى واثقة وإرادة مطلقة وراسخة بالنصر على كل الإرهاب وكل الدول الحاضنة والداعمة له، وهذا المسار يبدو حتى اللحظة أنه المنتج الوحيد الحقيقي لكل المعادلات والقواعد والإحداثيات التي يمكن أن تشكل خرائط جديدة للاشتباك والصراع والتفاهم والتفاوض خلال المرحلة المقبلة.
أما المسار الثاني فهو الذي تقوده أطراف الإرهاب معاً سواء بشكل إفرادي أم بالتنسيق بشكل ثنائي أو جماعي، وهذا المسار يسير بخطوات تصعيدية بحسب المؤشرات والمعطيات المترامية هنا وهناك.
ضمن هذا السياق يمكن القول إن المشهد يترنح بين غزارة الإنجازات والانتصارات السورية المتدحرجة التي يحققها الجيش العربي السوري في الميدان، وفائض العجز والتخبط والتصعيد الذي يلف منظومة الإرهاب بشكل عام والذي يضاف إليه مشهد الصراعات والخلافات المتدحرجة بين اللاعبين الأساسيين، ولاسيما بين الأميركي من جهة، والتركي من جهة أخرى على خلفية التمدد الإردوغاني في جغرافيا المنطقة وبتحالفات تثير حنق وغضب الأميركي.
على هذا النحو يبدو المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات والخيارات التي ربما تحمل في طياتها عواصف وأعاصير جارفة لما تبقى للمشروع الإرهابي والاحتلالي في سورية والمنطقة.
الأهم في ذلك كله الركون إلى حقيقة أن المرحلة المقبلة باتت خارج الإرادة والقبضة الأميركية، وهذا هو الانتصار الأبرز والأكبر لسورية و لمحور المقاومة.
(CNN)
فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 24-1-2020
الرقم: 17176