الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم :
عبد الله عبد الدايم، مفكر عربي سوري، قدم خلال مسيرته الفكرية والتربوية للثقافة العربية كل ما هو جيدي ورصين، عرفه طلاب الدراسات العليا من دمشق إلى كل أنحاء الوطن العربي، من خلال مؤلفاته ومحاضراته، وهو الذي شغل أيضاً منصب وزير الإعلام في سورية ستينيات القرن الماضي، ما تركه الدائم من إرث فكري وثقافي وتربوي، يحتاج إلى ندوات وندوات، وكم هو جميل أن تحتفي وزارة الثقافة به من خلال الندوة الشهرية التي تعقد في مكتبة الأسد نهاية كل شهر، موضوعها هذا الشهر كما أسلفنا كان عن المفكر الراحل عبد الله عبد الدائم.
قدمت في الندوة مجموعة محاور منها:
المحور التربوي
تحدث د٠عيسى الشماس حول الفكر التربوي عند عبد الله الدايم:
لقد أولى عبد الدايم مسألة التربية العامة اهتماماً كبيراً، بوصفها المنطلق لأي تربية من حيث أسسها ووظائفها، ويظهر ذلك من خلال التوجه إلى الباحثين والمختصين في مجال التربية، بضرورة الاهتمام بدراسة تاريخ الفكر التربوي بنظرة نقدية فاحصة، بحيث ينبع من جانبين الجانب الأول دراسة تطور الاتجاهات التربوية ونظمها عبر التاريخ، ولاسيما تلك التي مازالت مستمرة حتى الوقت الحاضر، والجانب الثاني ضرورة التريث عند دراسة تاريخ التربية ومراجعته، ولاسيما أننا نشهد في الوقت الحاضر بؤرة تربوية جذرية. لقد ترجم كتاب التربية العامة لمؤلفه رينيه أوبير.
ويعد التخطيط عملية استراتيجية أو طريقة مناسبة تترجم إلى خطوات إجرائية للوصول إلى الحقيقة، يقوم بها خبراء يرغبون في التغيير، بالانتقال من الوضع الراهن إلى الوضع الذي يمكن تحليله والتعامل معه بإيجابية.
وفي كتابه بعنوان فلسفة التربية العربي يبدأ عبد الدايم بمناقشة الموضوع بطرح التساؤلات كيف نفهم فلسفة التربية؟ ما دور التربية وفلسفتها في تغيير المجتمع؟ هل تقوى التربية على تكوين الناشئة؟ ومن ثم انتقل إلى الإجابة عن هذه التساؤلات.
الفكر القومي
فيما تحدث د. حسين جمعة عن الفكر القومي عند عبد الله الدايم:
ملامح الفكر القومي العربي: إن نظرة متأملة إلى مؤلفاته وأبحاثه ترينا بوضوح أن الفكر القومي العربي لم يكن ليبتعد عن فكره التربوي، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، وكان مشروعه القومي والتربوي مشروعاً متكاملاً على صعيد تكوين الوعي الثقافي الوطني المرتبط بالتربية العلمية، ولا يوجد انفصام بين المؤلفات القومية والمؤلفات التربوية لأن المسألة القومية للعروبة جزء لا يتجزأ من التربية الوطنية والثقافة الشاملة والدائم.
وتتجسد ملامح الفكر القومي العربي بالآتي: الإنسان ابن أمته، والانتماء للأمة العربية يتعزز بالعناصر الثقافية الإنسانية، والإنسان يعي تاريخه، وثقافته وتراثه في صميم إدراك ذاته الجمعية الوجودية المميزة بخصائص متفردة على الصعيد الاجتماعي أو النفسي، والإدراك العلمي الموضوعي للتراث العربي الإسلامي أساس النهوض القومي، بوصفه إدراكاً يواكب تقدم العلوم وتطورها، وارتقاء الفنون وآدابها، وعراقة التراث العربي وانفتاحه على المنهج العلمي، والفكر القومي بطبيعته فكر نهضوي قادر على التكيف مع كل مستحد.
وهناك التحديات، أي تحدي الصهيونية، وتحدي العولمة للفكر القومي وثقافة النهضة المتطورة، والتحدي الثقافي العلمي الإعلامي الثقافي، والتحدي التربوي.
من أجل بناء فكر قومي نهضوي موحد وحر يحتم الآتي:
تبنى عبد الدايم استراتيجية قومية تكاملية بين أقطار الوطن العربي، وبناء وعي علمي تقني ثقافي تربوي يواكب أحداث الحقول المستجدة، وتوحيد الجهود المشتركة بين أرباب الفكر القومي أو تقريب وجهات النظر فيها لتفعيل العمل المشترك، وتسخير العلم التجريبي والتطبيقي لصالح الأمة من أجل تغيير حقيقي للوضع الراهن وللمجتمع معاً، وبناء الإنسان المبدع العربي والمبادر.
الثقافة والتراث
وحول الثقافة والتراث عند عبد الله الدايم تحدث -أ. محمد طربيه: ينتمي د. عبد الله عبد الدايم إلى جيل الطليعة من المثقفين العرب الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية النهوض القومي العربي وتبعاته في مختلف ميادين الحياة، مستندين إلى تراث غني وعريق، ومشرعين نوافذهم أمام تيارات الفكر العالمي. والثقافة الوافدة، ليس فقط عبر ما أصدروه من كتب وما قاموا به من أنشطة ثقافية بل عبر حياتهم العملية، التي كان هاجسهم فيها تثقيف الأجيال والناشئة بهدفين هما إحياء التراث العربي الفني والمتنوع وتمثل روحه وجوهره من جهة، وتمثل الثقافة المعاصرة ووعيها وتوظيفها في خدمة أهداف تلك الأجيال وتطلعاتها إلى مستقبل أفضل من جهة ثانية.
حياة وجهود
وختم د. إسماعيل مروة الندوة بمحور حياة وجهود عبد الله عبد الدايم. إنه حلبي المولد، تنقل بين المدن السورية بحكم عمل والده القاضي الشيخ أحمد الذي تعددت أماكن عمله، وبهذا يكون قد جرب مدارس المدن السورية في مراحله التعليمية الأولى، ولهذا أهمية في حياة من سيصبح التربوي الأكثر أهمية، ومن سيصبح وزيراً للتربية، فقد عاين التعليم حتى اكتملت مرحلته الثانوية في مدينة حلب وفي المدرسة السلطانية أهمية كبرى وهي وجود نخبة من الطلبة المتميزين، وجود خيرة أساتذة ذلك الزمن كما قال، الاهتمام باللغات الأجنبية حيث درسها وبدأ إتقانها، وهذه المدرسة عملت على صقل الطالب عبد الله عبد الدايم، وتعلمه اللغات والعناية بها، وتحديد ميوله الفلسفية والتربوية.
هو منَ أسرةٍ متوسـّطةُ الحالِ. عمل والده في أعمالٍ تجاريّـة، ولحقت به خسائر كبيرة نتيجة ما جرى في حلب أيـّام الاِنتداب الفرِنسي على سورية، وتعرّض والِده لنكبات ماديّـة، وأدّى الأمر إلى سوء الأحوال الماديّـة فاضطر لترك المدرسة والاِنقطاع من أجل العمل وتأمين لقمة العيش والتـّعاون مع الأسرة.
محطات في حياته
ولد في حلب عام 1924 نال الإجازة في الآداب -قسم الفلسفة من جامعة فؤاد الأول عام 1936 بمرتبة الشرف الأولى – ودكتوراه الدولة في الآداب (تربية) من جامعة السوربون بباريس عام 1956 بتقدير مشرف جداً. عمل مدرساً وأستاذاً بكلية التربية بجامعة دمشق، ورئيساً لقسم أصول التربية فيها، ومديراً عاماً لمعارف حكومة قطر، ووزيراً للإعلام (1962) و(1964)، ووزيراً للتربية (1966)، وأستاذاً وخبيراً في التخطيط التربوي (التابع لمنظمة اليونسكو)، والإدارة التربوية بالمركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها في البلاد العربية ببيروت، وأستاذاً بكلية التربية في الجامعة اللبنانية، وخبيراً في التخطيط التربوي بالمركز الديمغرافي بالقاهرة (التابع لهيئة الأمم المتحدة) ومديراً لمشروع اليونسكو لتطوير التربية في سلطنة عمان، وممثلاً اليونسكو ورئيساً لبعثتها في دول غرب أفريقيا، ورئيساً لقسم مشروعات التربية في البلاد العربية وأوروبا بمقر اليونسكو بباريس، وعضواً في لجنة تقويم النظام التربوي في دولة الكويت.
أهم مؤلفاته: دروب القومية العربية؛ التربية القومية؛ القومية والإنسانية؛ الاشتراكية والديمقراطية؛ الجيل العربي الجديد؛ الوطن العربي والثورة؛ التخطيط الاشتراكي؛ في سبيل ثقافة عربية ذاتية؛ القومية العربية والنظام العالمي الجديد؛ إسرائيل وهويتها الممزّقة؛ نكبة فلسطين عام 1948: أصولها وأسبابها وآثارها السياسية والفكرية والأدبية في الحياة العربية؛ القومية العربية والنظام العالمي الجديد؛ تجربة الوحدة العربية المصرية السورية؛ فشل العمل الوحدوي ولم يفشل مبدأ الوحدة العربية.
التاريخ: الثلاثاء3-3-2020
رقم العدد : 989