المشــهد المســــرحــــي بدمشـــق…مشــــكلاته الأساســـــية بعـــــددالصــالات والجمهـور.. أم بالإدارة والنصوص والنقد والإخراج والتمثيل…؟!
قلة عددها، تواضع تقنياتها, آليات استيعابها للجمهور، جميعها مشاكل بدون حلول، إنه هاجس يجثم على صدور من عمل في عالم المسرح السوري، وعلى كافة المستويات…
من يهتم و يتابع العروض المسرحية يكتشف أن نقص الصالات أهم عائق في وجه تطور الحالة المسرحية لدينا..، معوقات تترك بصماتها على مشهد ثقافي، نحن بأمس الحاجة حاليا لكي يمتلك دوره الأساسي في بناء الوعي وبناء الإنسان ونحتاج إلى تأثير الثقافة وفنونها على أرض الواقع، فكيف للثقافة ذلك دون الامتلاك لمعطيات وبنى تكون داعمة لها تساهم في إيصال رسائلها بالشكل المطلوب…؟
الجميع يؤكد على سلبية الحالة وارتدادها على المشهد المسرحي ككل، حيث تترك أثراً لا يمكن تجاهله، فقلة الصالات المسرحية أصبح هماً كبيراً مع الوقت، ولطالما شكل عائقاً يتوجب العمل على تجاوزه.. فهل يعقل في مدينة كدمشق لايوجد فيها سوى صالتين مسرحيتين ؟ وهي صاحبة التاريخ العريق في عالم المسرح العربي نوعا وكما..؟
قلة الصالات المسرحية هاجس حاضر على لسان كل مسرحي مثلما أكدت اللقاءات التي أجريناها مع أكثر من مسرحي حول الصالات وتأثيرها على المسرح وفي مجالاته كافة.. في الإدارة والإخراج والكتابة والنقد والتمثيل…
قلة الصالات المسرحية
• البداية كانت مع المخرجة سهير برهوم مديرة المسرح القومي التي أخرجت العديد من الأعمال المسرحية المتميزة، فقالت:
إذا عدنا إلى تاريخ المسرح العالمي فإننا نجد علاقة دائمة بين تطور المكان المسرحي وتطور العرض المسرحي، فقلة الصالات المسرحية بات مؤثراً بشكل كبير على مشهدنا المسرحي ككل، فلا بد لنا هنا في سورية من أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وقد بات الأمر اليوم ملحاً جداً، ولطالما كان عائقاً ومشكلة أمام المشتغلين في المسرح على اختلاف مواقعهم، طبعا أكثر ما كانت تتجلى هذه المشكلة قبل سنوات الحرب أيضا، عندما كانت تنظم المهرجانات في دمشق وتستضيف عروضاً مسرحية من خارج البلاد، وبالتأكيد فإن صالتي مسرح القباني والحمراء لا تكفيان، خصوصاً أن مهرجان دمشق يستضيف ما لا يقل عن أربعين عرضاً مسرحياً، مابين العروض المحلية والعروض الزائرة، فكيف ينظم مهرجان، بل كيف نستطيع التنسيق ونحن لا نملك سوى صالتين..
طبعا نضيف دار الأوبرا وفيها أكثر من صالة مسرح، منها الصالة الرئيسية والصالة متعددة الاستعمالات، صحيح نحن نستفيد منهما، ولكن ليس بالشكل المطلوب، والأمر ليس متاحاً دائماً لأن دار الأوبرا تستضيف الفعاليات الثقافية الكثيرة، ولابد من التذكير في هذا السياق من أننا نحن في صالتي القباني والحمراء نستضيف أيضا الكثير من الفعاليات الثقافية، فهما ليستا فقط للعروض المسرحية وغالبا ما كنا نضطر لتأجيل بروفات عرض مسرحي من أجل فرق أخرى، وفعاليات مختلفة, كحفل تأبين أوأمسيات موسيقية أوحتى عروض زائرة من محافظات أخرى، لنجد مشكلة جديدة بمسألة التنسيق بين الأعمال المسرحية والفعاليات الأخرى بين البروفات لتحضير الأعمال وبين عروض الضيوف، الأمر فعلا يشكل عقبة كبيرة وحلها بات ملحاً لوجود عدد صالات أكثر في دمشق، نضيف إلى ذلك أننا بحاجة إلى وجود تجهيزات أفضل وصالات ذات مواصفات أكثر حداثة، تواكب التطور الحاصل في تقنيات اليوم، لا شك أن ذلك يتيح وخاصة لخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية قسم السينوغرافيا وقسم التقنيات الإنجاز لأعمال أفضل، لأنه من المؤكد أنهم عندما يدرسون في هذا المجال في المعهد، لا يستطيعون تطبيقه خارجا على أرض الواقع فالطالب يتعلم تقنيات حديثة، ويأتي ليفاجأ على أرض الواقع سواء على مسرح القباني أوالحمراء بواقع مختلف، ليعجز عن تطبيق ما تعلمه من أصول علمية، فهوغير قادر أن يسرح بخياله بعيدا، فيلجم كل ذلك الحالات الإبداعية الكثيرة.
ولا بد من القول هنا إن مسرح الحمراء أصلا هوفي الأساس ليس مسرحا، فقد كان في القديم صالة سينما والقباني كان مقهى أونادياً ليلياً تمت الاستفادة منهما كمسارح، وهذا أمر جيد وأقول في هذا السياق لماذا لا يستفاد من حالات السينما المغلقة كمسارح كحل إسعافي، وهذا يعتبر حلاً جيداً مبدئياً… لذلك نرجوونتمنى من المعنيين بهذا الأمر أن يجدوا الحل، فنحن في مديرية المسارح والموسيقى ليس بيدنا إلا أن نقدم اقتراحاتنا فقط.. لكن المعنيين في وزارة الثقافة والحكومة عليهم أن يهتموا بالأمر ليتم اتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه، ويأخذوا بعين الاعتبار هذا الأمر، فدمشق أصبح عدد سكانها مضاعفا، ونحن نعلم دور الثقافة والمسرح، فنحن بأمس الحاجة إليهما في هذا الوقت، ونحن ننتهي من الحرب شيئا فشيئا.
نحن اليوم بحاجة لأن نساهم كجهة ثقافية في بناء الإنسان, والمسرح لديه تأثيره الهام في هذا المجال، ولابد من أن أذكر هنا أن القباني والحمراء تقريبا هما في منطقة واحدة من دمشق، وأعتقد أنه هناك الكثير من المهتمين بالمسرح يرغبون بالحضور, ولكنهم في مناطق بعيدة عن وسط العاصمة، فماذا عن الريف ريف دمشق وهومترامي الأطراف، وأنا واثقة هناك جمهور عريض يحب أن يتابع المسرح ولكن لا يستطيع متابعته لهذه الأسباب…
قد يقول قائل إن خشبات المراكز الثقافية ممكنة الاستخدام، لكن في الحقيقة هي ليست مهيأة، وليست صالحة للعروض المسرحية، فقياسات الخشبة في أي مركز ثقافي لا تناسب أي عرض مسرحي، قد تناسب ندوة ثقافية أدبية أوحفلة مدرسية فقط، وخاصة اليوم هناك تطور هائل في العالم الخارجي، والذي يصل إلينا بشكل أوبآخر، لكن لا نستطيع أن نطبقه في أعمالنا، لأن المكان لا يسمح بذلك، فالمكان لا يسمح لخيال المخرج أن يسرح بعيدا، وقد سألتني من وجهة نظري كمخرجة عن هذا الجانب، وأنا أقول الخيال سيكون محدوداً حتماً، وهذا مفروض علي، فالمكان لا يسمح لي أن أقدم إبداعا، وأنا أقدم شيئا اسمه إمكانات المسرح تحت هذا الظرف، وهذه المشكلة منذ الماضي البعيد وحتى اليوم… فدائما كان هناك علاقة بين تطور المكان المسرحي وتطور العرض المسرحي، إلا أنه كان الهاجس في الماضي يخص تطور المكان المسرحي في البحث عن شكل جديد، والبحث عن نوع علاقة جديدة مع الجمهور، كان هناك هاجس البحث عن شكل آخر غير العلبة الايطالية الموجودة حاليا، لكن نحن مشكلتنا، ليس شكل الخشبة وإنما الصالة بحد ذاتها، فنحن بحاجة إلى عدد كبير من الصالات في دمشق، وهذا الموضوع هوالحديث والهاجس لنا كمسرحيين وإداريين، ونقول هنا ليس بيدنا كمديرية مسارح إلا أن نقترح ونطلب ونتمنى، ولسنا الجهة المخولة لأخذ القرار, رغم أن الموضوع ملح وجدير بالاهتمام وإثارته لتجاوزه حالة ماسة، إنه الحديث الدائم للمشتغلين في المسرح.. فنحن بحاجة إلى صالات جديدة وأماكن جديدة وتقنيات جديدة, ولابد من الذكر هنا أنه مثلما نحن المشتغلين بالمسرح بحاجة إلى هذا.. كذلك جمهورنا بحاجة إلى صالات جديدة وتقنيات جديدة، فلا شك أن الجمهور هومواكب للتطور الحاصل في الحياة, التطور التقني والاتصالات الحديثة، فهناك ثورة في الاتصالات وثورة في التقنيات، وهذا الجمهور مواكب لهذه التطورات ويعرفها، وعندما يأتي لحضور عرض مسرحي سيتساءل بينه وبين نفسه، متى سنشاهد عروضا مسرحية بمواصفات تقنية عالية المستوى، فهويتابع على الانترنت والشاشات الفضائية ما يحدث خارجا، وقد يشاهد على محطة فضائية ما مجرد حفل عادي يكون مبهرا بتقنياته المستخدمة.
فهل من المعقول أننا كجهة ثقافية مساهمة في بناء ووعي وثقافة المجتمع أن يكون دورنا محايدا خاصة في مثل ظروفنا هذه. فنحن بحاجة إلى تطور وإلى صالات بمواصفات جديدة، تتيح لنا التطور البصري وتتيح لنا مساحات أكبر في الخيال والإبداع، وهذا من المؤكد سيشجع المسرح والجمهور أكثر وأكثر.. فهذا الفن الراقي سيستمر ولن يندثر، وسيتحدى كل الصعوبات… خفنا على المسرح من السينما، ولكن المسرح استمر، خفنا على المسرح من الفضائيات ولكن استمر المسرح، فالمسرح فن راق وسام يجب أن يستمر ويجب أن ندعمه كي يستمر.
غير مؤهلة
• الفنان والمخرج مأمون الخطيب قال: صالات المسرح عددها قليل طبعا بالنسبة للنشاط المسرحي المفترض وخاصة في المحافظات.. ومسارحنا غير مؤهلة تقنياً بالشكل المطلوب, تقنياتها قديمة وأبعاد الإضاءة والمنظور غير سليم بالمعنى العلمي.. يجب إعادة تأهيل التقنيات وزيادة عدد المسارح.. بل يجب بناء مسارح جديدة كون المسرحين هما بالأساس أبنية غير مسرحية بالنسبة للأبعاد المسرحية المتعارف عليها عالميا.. مع أن مديرية المسارح تحاول تأمين ما يلزم للعروض المسرحية رغم معرفتها بقدم تقنياتها وسوء بناء مسارحها.
نحو مسارح أخرى
• الكاتب جوان جان رئيس تحرير الحياة المسرحية بين أنه في مراحل سابقة من عمر المسرح السوري، وبالتحديد في السنوات الخمسين الأولى من مسيرته، لم تكن صالات السينما والمسرح قد عرفت طريقها بعد إلى الطابع العمراني في المدن السورية، فكانت قاعات البيوت العربية القديمة والكبيرة وما يسمى بالخانات مكاناً لتقديم التجارب المسرحية السورية الأولى، إلى أن بدأت صالات السينما بالظهور حيث تم استخدام هذه الصالات في النصف الأول من القرن العشرين كمكان دائم لتقديم العروض المسرحية الشعبية التي كانت تقدمها الفرق والنوادي والجمعيات الفنية والمسرحية.
ومع دخول الدولة على خط الإنتاج المسرحي ابتداء من العام 1960 عام تأسيس المسرح القومي بدمشق كان لا بد من إيجاد أماكن عرض مؤهلة بشكل فني وتقني جيد لتقديم أعمال مسرحية لاتعتمد فقط على حركة الممثل وإلقائه لحواره فحسب بل وعلى استخدام عناصر العرض المسرحي من ديكور وإضاءة وما إلى ذلك، الأمر الذي تطلّب السعي إلى قيام وزارة الثقافة حينذاك بالعمل على تحويل سينما الحمراء المملوكة للقطاع الخاص إلى صالة عرض مسرحي مملوكة للقطاع العام وفق صيغة قانونية محددة، ونفس الأمر ينطبق على مسرح القباني الذي كانت له استخدامات أخرى قبل قيام وزارة الثقافة بتحويله إلى صالة عرض مسرحي.
وكان أمل المسرحيين على مدى عشرات السنوات أن يتم العمل على رفد هذين المسرحين بمسارح أخرى بعد أن ضاقا بجمهورهما المتزايد ومع تعدد أنماط وأساليب تقديم العروض المسرحية وحاجتها إلى صالات متعددة الأحجام والاستخدامات بما يلبي طموحات المخرجين. اليوم توجد في دمشق وكل المدن السورية عشرات صالات السينما المملوكة للقطاع الخاص، وقد أغلقت أبوابها وتحولت إلى خرائب وأطلال، اليوم توجد في دمشق وكل المدن السورية عشرات صالات السينما فلماذا لا يتم إيجاد صيغة قانونية تتيح تأهيل هذه الصالات وتحويلها إلى صالات عرض مسرحي أسوة بمسرحي الحمراء والقباني وبحلول قانونية مشابهة طالما أننا غير قادرين على بناء صالات عرض مسرحي جديدة، علماً أن بعض صالات السينما المهجورة هذه تمتلك مواصفات دور الأوبرا من حيث المساحة والاستيعاب وطبيعة العمران.
صالات المراكز الثقافية تقوم بدور إيجابي في هذا الإطار لكن يبقى هذا الدور محدوداً لأن طبيعة برامج المراكز الثقافية تمنع تخصيص خشبات مسارحها لتقديم العروض المسرحية لأيام عديدة وبشكل دائم.
مواكبة التطور
• زهير بقاعي ممثل وكاتب مسرحي قال:
الحديث عن الصالات المسرحية حديث يطول,الصالات قليلة نسبياً قياساً للكثافة السكانية، وعدا عن صالات الأوبرا بمسارحها المختلفة يبقى القباني والحمراء يعتبران إلى حد ما مسارح للعروض المسرحية وأعتقد أنه يمكن تأهيل عدد من الصالات الموجودة السينمائية، والتي أهملت لعوامل كثيرة وإلى الآن ليس لدينا تجهيزات تقنية تواكب التطورات على صعيد الفضاء المسرحي كما في الكثير من البلدان مما يرفع من سوية أي عرض ويفتح المجال واسعا للخيال الفني للإبداع من حيث إمكانية تطوير الرؤية الفنية المطلوبة، حتى يصبح المشهد المسرحي ينافس أي وسيلة فنية مما يشكل إمكانية التأثير على المتلقي، فلا يبقى مسرحنا يعاني من حالة الفقر الفني من حيث عدم إمكانية تحقيقها.
تجهيزات بدائية
• محمد ناصر الشبلي / ممثل قال:
من المؤكد أن صالات المسرح تترك أثراً على المسرح ونوعيته وتطوره, وللأسف الشديد لا يوجد عندنا صالات مسرح مجهزة للعروض المسرحية فمثلا في مدينة دمشق لا يوجد إلا صالة الحمراء وصالة الثبات والتجهيزات التقنية فيهما مازالت بدائية وبسيطة وهذا يؤثر على تطور الأعمال المسرحية ونوعيتها, طبعا هناك صالة مسرح راميتا الخاصة وأجملها مرتفع جدا.
تحقيق:آنا عزيز الخضر
التاريخ: الخميس 12 – 3 – 2020
رقم العدد : 17215