ألهمت الكثير من الشعراء والأدباء … الأوبئة العالمية الماضية …فمن ستلهمه كورونا الحاضرة ؟

ثورة أون لاين:

تأثر معشر الشعراء وكتاب الرواية والقصة بالأوبئة التي عرفتها البشرية , وحصدت الملايين من البشر, حتى أن أسماء تلك الأوبئة تصدرت عناوين لقصائد وروايات شهيرة جدا, على اعتبار أن أي نص أدبي هو حصيلة طبيعية لاتصال المؤلف مع محيطه الاحتماعي وتفاعله معه , فكانت تلك الأوبئة مُحركا لأقلام عديدة , غذّت تجارب أصحابها وذكياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ونزعاتهم الفكرية والفنية . ولأن المعاناة الإنسانية سواء كانت جمعية أو ذاتية تحفِّز الإبداع لدى البعض , وتصبح إلهاما لدى الغالبية العظمى, زد على أن عددا من الأعمال أحدذ تحولا في مسارات وقواعد الإنتاج الفكري , حيث اعتُبرت قصيدة الشاعرة العراقية الراحلة نازك الكلائكة ( الكوليرا) بداية لما سُمي الشعر الحر :

تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت

الكوليرا

في كهف الرعب مع الأشلاء

في صمت الأبد القاسي حيث الموت

دواء

استيقظ داء الكوليرا

حقدا يتدفق موتورا في كل مكان خلّف مخلبه أصداء .

وألهم وباء الكوليرا الشاعر المصري الراحل علي الجارم , عندما اجتاح مدينة الرشيد عام 1895 , وهي مسقط رأس الشاعر فقال مخاطبا الكوليرا اللعينة :

يا قتيل ( الفينيك) يكفيك قتلاً فأغمِدْ حسامك المسلولا

إنَّ في مصر غير موتِكَ موتاً ترك الأروعَ الأعزَّ ذليلا

فارتحل بارد الفؤاد قريراً مرْوياً من دم العباد الغليلا

وعن الموضوع ذاته كتب الشاعر الإنكليزي روديارد لبلينغ قصيدة بعنوان , معسكر الكوليرا .

كما عبر بعض الشعراء عن رحلتهم المريرة مع المرض والألم , وكان من أجمل ما كتبوا لأنه نتاج معاناة قاسية وأليمة ؛ والقارئ لشعر الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب يعرف هذه الحقيقة , فقد كتب وهويخضع لعلاج في أحد مشافي الكويت قصيدته الرائعة ( غريب على الخليج) , وفيها يبث حنينه وشوقه لبلده الحبيب العراق , و يعبر عما يكابده بسبب المرض :

لو جئتِ في البلد الغريب إليَّ ما كمُلَ اللقاء

الملتقى بكِ والعراق على يديَّ هو اللقاء

شوقٌ يخضُّ دمي إليه كانَّ كلَّ دمي اشتهاء

جوع إليه كجوع دم الغريق إلى الهواء

شوق الجنين إذا اشرأبَّ من الظلام إلى

الولادة

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام

حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق

واحسرتاه متى أنام

ومن غرفته في المشفى كتب الشاعر المصري الراحل أمل دنقل أجمل قصائده المعبرة عن لحظات ألمه الكبير , فعنون أحد أعماله بـ ( أوراق الغرفة8) , فقارن نفسه بباقات الورد التي يحملها إليه زائروه في المشفى :

فكل باقة ….. بين إغماءة و إفاقة

تتنفس مثلي بالكاد ثانية ثانية

وعلى صدرها حملت راضية

اسم قاتلها في بطاقة

وكذلك كانت أعمال السوداني التجاني ويوسف بشير وغيرهم .

ولأن السرد القصصي والكتابة الروائية يتضمنان مجالاً أوسع لذكر تفاصيل الألم واليأس والمشاعر الإنسانية الحزينة , وتأريخ حقبة الوباء , نرى المغربي الطاهر بن جلون يؤرخ تجربته مع السرطان في رواية ( الاستئصال) , ورواية ( ساقي اليمنى) للمصري وائل وجدي , على أنَّ معظم الروائيين حمَّلوا أعمالهم عن الأوبئة رموزا لتقصير الحكومات ومعاناة الشعب الفقير , وكيفية تصرف تلك الحكومات عندما تنتشر الأوبئة وتفتك بالعباد . فقد كتب السوداني علي الملك نصا قصصيا بعنوان ( للمستشفى رائحتان) ؛ رائحة المجاري ورائحة الموت .

ومن البرتغال يطل علينا جوزيه دي ساراماغو برائعته ( العمى) , حيث ذكر أمراضا كثيرة تضرب المجتمعات وسلوك الحكومات :« تبدي الحكومة أسفها لاضطرارها إلى القيام بالسرعة القصوى لما تُعده واجبها الحق لحماية الشعب بكل الوسائل الممكنة في هذه الأزمة الحالية التي تبين أنها تحمل مظاهر وباء عمى أبيض يُعرف مؤقتا بالمرض البيض »

وعبر الكاتب الفرنسي البير كامو عن معاناة مدينة وهران الجزائرية في رواية ( الطاعون) , ولم يخلُ عمله من الخيال , لأن المقصود بالطاعون هو الغزو الألماني لأوروبا مدعوما بإيديولوجية نازية تنطوي على الإبادة الجماعية .

ومؤخرا تأثر الروائي السوداني أمير تاج السر بقيروس إيبولا الذي يسبب الحمّى النزفية وحصد آلاف البشر , فكتب رواية ( إيبولا 76 ) : « وحده إيبولا الذي يرعى في دم عامل النسيج ودماء الآخرين الذين اقتنصهم من البارحة , يعرف ويخطط وينفذ ما استطاع » , واتصفت الرواية بالواقعية لأن قصتها حقيقية , وهي عن طبيب من أبناء جنوب السودان وكان الناجي الوحيد من المرض, بعد موت أفراد طاقم المستشفى وطبيب أرسلته العاصمة للمساعدة .

وبخلاف الأخرين كتب غارسي ماركيزرواية ( الحب في زمن الكوليرا) , لكن هذه المرة كان الحب هو المحور وليس الوباء, لكنه حب في زمن الكوليرا والفقر, وأرَّخ جوزيف بيرن جائحة الطاعون الذي اجتاح أوروبا بـ ( الموت الأسود ) .

بالطبع, هناك الكثير من الأمثلة والأعمال التي تأثر مؤلفوها بالأوبئة , وقد سبقهم المتنبي عندما تحدث عن الحمّى التي أصابته :

وزائرتي كأنَّ بها حياء فليس تزور إلا في الظلام

هكذا يعكس الأدب حياة الشعوب ويصبح ذاكرة لتاريخهم وويلاتهم , أفراحهم وأحزانهم , فتكون الأعمال الأدبية بمثابة مراجع لمن يريد معرفة تداعيات وباء أو جائحة مرضية ما, كما أنها تصبح ذكرى وصدى مهما كانت شدة فتكها , وسينتصر عليها الإنسان لأن إرادة الحياة أقوى من كل الفيروسات والأوبئة , وبين الكوليرا والملاريا وإيبولا وغيرها تأتينا كورونا لتلهم كتابا وشعراء آخرين , ليخطوا أصدق الكلمات في وصف وباء أبكى الكثيرين , عبر القارات , ووحَّد شعوب العالم قاطبة لأنه لا يميز بين فقير وغني وبين عرق وآخر.

فلمن ستكون مبادرة تأريخه ؟

آخر الأخبار
مصفاة بانياس تدعم مهارات طلبة الهندسة الميكانيكية بجامعة إدلب الأونروا: الوضع في غزة يفوق التصور الاحتلال يستهدف خيام النازحين في خان يونس ويهدم عشرات المنازل في طولكرم اللاذقية: تحسين الخدمات في المناطق المتضررة بالتعاون مع "اليونيسيف" حذف الأصفار من العملة المحلية بين الضرورة التضخمية والتكلفة الكبيرة نقص كوادر وأجهزة في مستشفى الشيخ بدرالوطني الصحافة في سوريا الجديدة مليئة بالتحديات والفرص بقلم وزير الإعلام الدكتور حمزة مصطفى "الأشغال العامة": دورات تدريبية مجانية في قطاعي التشييد والبناء درعا.. إنجاز المرحلة الأولى من تأهيل محطة ضخ كحيل تفعيل العيادات السنية في مراكز درعا تأهيل مدرسة في بصرى الشام حول عقد استثمار الشركة الفرنسية لميناء اللاذقية.. خبير مصرفي: مؤشر جيد قربي لـ"الثورة": استثمار ميناء اللاذقية الجديد يعكس ثقة دولية وزيادة بالشفافية متجاوزاً التوقعات.. 700 ألف طن إنتاج سوريا من الحمضيات في 2025 الرئيس الشرع يلتقي بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل درعا: مطالبات شعبية بمحاسبة المسيئين للنبي والمحافظة على السلم الأهلي "مياه دمشق وريفها".. بحث التعاون مع منظمة الرؤيا العالمية حمص.. الوقوف على احتياجات مشاريع المياه  دمشق.. تكريم ورحلة ترفيهية لكوادر مؤسسة المياه تعزيز أداء وكفاءة الشركات التابعة لوزارة الإسكان