خُبز نزار قبّاني الشعريّ ساخناً.. ولنْ يبرّده الوقت!

الثورة – رنا بدري سلوم:

في مثل هذا اليوم رحل، بقي شعره يراقص أفئدتنا بلغته، ويرسم الحياة بالكلمات، لا تزال روحه تسكن دمشق وتسكنه في أبجديّته المتمرّدة، فالشعر عنده «رقص باللغة… رقص بكل أجزاء النفس، وبكل خلجاتها الواعية واللاواعية، وبكل أحلامها، الشعراء يؤدون رقصة متوحشة، يتخطى فيها الراقص جسده.. ويتجاوز الإيقاع الموضوع، ليصبح هو نفسه إيقاعاً”.
على هذا الإيقاع اختار مقدمته “خبز نزار الشعريّ” في وصف شاعره المفضّل نزار قبّاني، رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور الشاعر محمد طه العثمان، يرى في مقدمة كتاب «عاشقٌ دمشقي نزار قباني القصائد العموديّة»، إصدار دار موزاييك للدراسات والنشر الشارقة– جمعه ونسقه الشاعر حسن قنطار وتقديمه، يرى أن نزار قبّاني يعجن مفرداته، ليضيف إلى هذا العالم ظواهر جماليّة وأسلوبيّة جديدة، على الرغم من التباين الواضح في آراء النقّاد والباحثين حول شعره، إلا أن شعريّة نزار لا يختلف عليها اثنان، والحداثة التي قدّمها متأصلة، والخلق المجازي مكتنز، مما جعل شعره يمتاز بسمات فريدة ظهرت من خلال عمق الطرح وسلاسة التعبير والتحام الشكل والأسلوب مع المضمون.
مستعيناً العثمان بقصائد تؤكد حساسية نزار في المشهدية، فتقول المقدمة “تخرج القصيدة وتنسكب على بياض الورق”، كقوله “أجنحتي تضرب بعضها… وريشي يتناثر… وأعرق… وأعرق… لتمزق… وتخرج القصيدة من جسدي كما يخرج السهم الناري… أنا أتلقى الزلزال مستسلماً ومدهوشاً.. وأخرج من تحت رمادي وخرائبي.. ولا أدري ما حصل.. الشعر إنه هجمة مباغتة.”

الشّرارة المتّقدة

أكثر ما يميز نزار عن غيره من شعراء القرن الماضي أنه عرف سر الوصول حين جعل شعره يحاكي ذوات الناس في عالمنا العربي المقموع، وعبّر عن كل مكنوناتهم ومشاعرهم ونكباتهم، في الحب والدين والسياسية، فجمع شعره بين الفرادة والجرأة في الطرح مع الوصوليّة، فدعمه بهيكل قوي وإيقاع مميز، متجنباً التعقيد والغموض، مما جعله مميزاً ومتداولاً واسعاً بين القرّاء والجماهير، فانتشر على ألسنة العامة قبل النخبة، فسعى إليه المطربون والملحّنون الذين اعتمدوا على قصائده في الغناء والإنشاد.
شعر نزار مليء بالظواهر الأسلوبية مثل الانزياح بأنواعه المختلفة (الدلالي والتركيبي والإيقاعي)، وكذلك التناص بأشكاله المتنوعة واستخدام الرموز الفنية. والتصوير التشاركي وصدق القضايا المطروحة وملامستها لمشاعر المتلقين.
فكل قارئ يصيب حاجته منه، ونصه متعدد المستويات في القراءة، ومفتوح الدلالات مع كل قراءة، فالقارئ البسيط يقع على ما في نفسه من هذا النص أو ذاك والقارئ الأكاديمي يبحر في تحليل كنوزه الخفية فيجد منها الكثير الكثير، لقد جعل نزار الشعر ركناً أساسيّاً في حياتنا وثقافتنا وقبله كان حكراً على المنتديات والقاعات المغلقة.
إن كل مفردة من مفردات أغلب نصوصه التشاركية تحمل شحنات من الانفعال، تجعلها تطريباً يسيطر على جوارح الإنسان، فتحيله على غيبوبة، أو شبه غيبوبة، وقد وضح مراراً عن سر هذه الطاقة المتجدّدة في كلامه، فنراه يقول عن ذلك “الطبع هو الشرارة الأولى، والصنعة هي مولد الكهرباء الذي لا بد من تزويده بالطاقة الثقافية ليستمر في العمل”.

الرومانسيّة وجرأة الحروف

في حين بيّن رئيس تحرير الأسبوع الأدبي الكاتب حسن قنطار في تصريحه لـ”الثورة” أهمية الكتاب الذي جمعه ونسقه، أنه يوضح أن نزار قباني يمزج في شعره بين الحبّ والسياسة، فعندما يكتب الكثير من القصائد العاطفية التي تعبّر عن مشاعر الحب والجمال، يسهب أيضاً في قضايا سياسية، لاسيما فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة والعالم العربي.
ومما ذكر في الكتاب “قباني كان دبلوماسياً أيضاً، وعمل في السفارات السوريّة في عدّة بلدان ويعتبر من الشعراء الذين تمكنوا من الوصول إلى قلوب الجماهير بلغته البسيطة والعميقة في آن واحد.
ومن أشهر أعماله: “قصائد” 1956، و”الرسم بالكلمات” ،1966 و”أنت لي” 1950.
ومن أبرز سمات شعره: الرومانسية، فمعظم قصائده تدور حول الحب والعاطفة. والجرأة: حيث تحدى العادات والتقاليد الاجتماعية في كثير من قصائده.
والسياسة: فقد تناول قضايا سياسية حساسة، مثل النكسة والقضية الفلسطينية.
علاوة على أن أسلوب نزار قباني يمزج بين اللغة الفصيحة واللغة اليومية، مما جعل شعره أقرب إلى قلوب الناس من مختلف الفئات.
لم يكن نزار قباني شاعراً عمودياً تقليديّاً بالمعنى الكلاسيكي، بل عُرف بشكل أساسي بتجديده في الشعر العربي. ورغم أن قباني بدأ بكتابة بعض القصائد العمودية في بداية مسيرته الأدبية، إلا أنه سرعان ما اتجه إلى شعر التفعيلة والقصيدة النثرية، وجد فيها مساحة أكبر للتعبير عن أفكاره ومشاعره بأسلوب حر وغير مقيد بالأوزان التقليدية الصارمة.

ليغدو نزاراً..!

وتطرّق القنطار في بحثه عن العلاقة بين نزار قباني والشعر العمودي قائلاً: كتب نزار قباني الكثير من القصائد العمودية، خاصة في بداياته الشعرية، حيث التزم بالوزن والقوافي التقليدية التي كانت سائدة في الشعر العربي. ولكن حتى هذه القصائد كانت تتميز بلمسة عاطفية وجماليّة جديدة.
بعد ذلك تحرر قباني من القوالب التقليدية للشعر العمودي واتجه إلى شعر التفعيلة الذي يعتمد على الإيقاع الداخلي والحريّة في توزيع القوافي، مما أتاح له الفرصة للتعبير بحرية أكبر عن قضاياه الاجتماعية والسياسية.
تأثيره على الشعر العربي: قباني كان جزءاً من حركة تجديدية في الشعر العربي، حيث تجاوز القيود التقليدية للشعر العمودي وابتكر أسلوباً جديداً يمزج بين اللغة البسيطة والمعاني العميقة. أسلوبه أتاح للشعر الوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعاً.
والفرق وبحسب الكتاب بين القبّاني وبين الشعراء العموديين كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم والكثير ممن التزم التقاليد الشعرية الصارمة والمواضيع الكبرى كالقومية والدين، هو أن نزار قباني ركز على الحب، والجمال، والعلاقات الإنسانية، وقضايا المرأة بشكل غير مسبوق.
ويختم قنطار بالقول: “وما أكد عليه في هذا الكتاب جمعت الكثير من أعمال القباني العمودية، لكي يعلم القارئ أن قباني لم يكن متنصّلاً من ضوابط الشعر العمودي، بل على العكس من ذلك تماماً، لكنه صنع وهو يسبح في بحور الشعر سفينةً لغوية خاصة ومائزة، وابتكر لنفسه لغة تفرد بها عن سائر معاصريه، ليغدو نزاراً فحسب”.

آخر الأخبار
مصفاة بانياس تدعم مهارات طلبة الهندسة الميكانيكية بجامعة إدلب الأونروا: الوضع في غزة يفوق التصور الاحتلال يستهدف خيام النازحين في خان يونس ويهدم عشرات المنازل في طولكرم اللاذقية: تحسين الخدمات في المناطق المتضررة بالتعاون مع "اليونيسيف" حذف الأصفار من العملة المحلية بين الضرورة التضخمية والتكلفة الكبيرة نقص كوادر وأجهزة في مستشفى الشيخ بدرالوطني الصحافة في سوريا الجديدة مليئة بالتحديات والفرص بقلم وزير الإعلام الدكتور حمزة مصطفى "الأشغال العامة": دورات تدريبية مجانية في قطاعي التشييد والبناء درعا.. إنجاز المرحلة الأولى من تأهيل محطة ضخ كحيل تفعيل العيادات السنية في مراكز درعا تأهيل مدرسة في بصرى الشام حول عقد استثمار الشركة الفرنسية لميناء اللاذقية.. خبير مصرفي: مؤشر جيد قربي لـ"الثورة": استثمار ميناء اللاذقية الجديد يعكس ثقة دولية وزيادة بالشفافية متجاوزاً التوقعات.. 700 ألف طن إنتاج سوريا من الحمضيات في 2025 الرئيس الشرع يلتقي بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل درعا: مطالبات شعبية بمحاسبة المسيئين للنبي والمحافظة على السلم الأهلي "مياه دمشق وريفها".. بحث التعاون مع منظمة الرؤيا العالمية حمص.. الوقوف على احتياجات مشاريع المياه  دمشق.. تكريم ورحلة ترفيهية لكوادر مؤسسة المياه تعزيز أداء وكفاءة الشركات التابعة لوزارة الإسكان