الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:
الكاتبة والأستاذة الجامعية تعجب لقدرتها وجلدها على البحث والمثابرة التي تقدم ما هو رائع في ألوان الأدب كلها من الرواية إلى الشعر، الذي عرفها فارسة قدمت من خلاله أكثر من مجموعة شعرية. وهي الباحثة التي تعمل بدأب وصمت على موسوعة مقارنة بين الأدب العربي والإنكليزي من خلال مجموعة المصطلحات وتطورها.
في مسيرتها الروائية كما يقول أحد النقاد: «لا تحلق سلمى حداد خارج كوكبنا أبداً كما يفعل التهويميون في أعمال روائية لا أحد يدري كيف، ومتى وقعت أحداثها وإلى أين تسير، لا، بل على العكس من أوراق الحياة بحلوها ومرها تلتقط أحداث ووقائع روايتها وتنسج منها الحكاية التي تعرف كيف تمسك بخيوط اللعبة الروائية فيها، وتدير شخصياتها بسلاسة ويسر بلا تكلف أو انفعال، وتعرف أن الأحداث والوقائع تديرها النهايات المنطقية التي تقتضيها الحياة وتراها الحبكة الفنية مطلوبة.
ما بين سورية والبرازيل تدور أحداث رواية «سأشرب قهوتي في البرازيل»، فنجان القهوة الذي تريده بطلة الرواية لن يكون في دمشق، فهي في عجلة من أمرها لتصل إلى البرازيل حيث ينتظرها حبيبها، أو لنقل وهم الحبيب، ومن سيكون البطل المعادل لها ومعها إلى أن تتكشف الخفايا رويداً عبر أحداث ووقائع لا تبدو من السهولة بمكان، فوراء كل حدث تخوضه البطلة ثمة منعطف يقود إلى آخر.
وقائع حياة الأثرياء الذين يبدو كل شيء عند بعضهم هو مجرد صفقات مالية، وعوالم من التآمر، لا يهم الأخ يفتك بأخيه من أجل نصيب من ورثة، أو فندق، لا يهمه إن توفي الأخ أو لا، بل ما سيرثه، أو يحتال ليصل إليه. عالم الأغنياء الذي لا تعرف فيه أحداً إلا من خلال هوية، هي فندق أو مطعم، أو مزارع بن في البرازيل. وما بين الاحتيال ورسم الخطط الماكرة لموت الشريك، تجري الأحداث لتتواشج مع قصص الحب التي ستبدو للوهلة الأولى تقليدية عادية روتينية، لولا أن الروائية استطاعت بمهارة أن توظف تقنيات القص الروائي، وأن تكون وسائل الميديا كلها تحت إمرتها في عوالم الرواية، وهذا أمر طبيعي وهام جداً، طبيعي لأن طبيعة وتطور الحياة تقتضي أن يدخل الروائي كل أدوات الحداثة التقنية ويستخدمها، والمهم كيف يوظفها ويعرف أنها ليست غاية ولا هي استعراض في عمل روائي كما جرى عند البعض.
البطلة التي تتلقى من الحدث الأول مثل هذه العبارة القاسية الناتئة التي تصدم القارئ، لكنها تضعه في تهيئة مباشرة لما سيأتي من أحداث البطلة لا تقف مكتوفة الأيدي، فهي اللبوة المتمردة على كل القيم التي يتباهى بها هؤلاء المزيفون كذباً، وكم تمنت لو أنها بغير مكان العزاء «كم وددت لو كان الجو يسمح باعتلاء المنبر لإلقاء محاضرة مستفيضة عن العهر، أصوله، أنواعه، أسبابه، كم وددت لو كان الجو يسمح بتعريف العهر الفكري قبل أي نوع آخر في مجتمعاتنا، يقتصر العهر على العهر الأخلاقي، وهذا الأخير غالباً ما يقتصر على العهر الجنسي. أما أنواع العهر الفكري، والذي قد يكون أشد فتكاً وخطورة من غيره، فلا أحد يكلف خاطره بإيجاد تعريف له أو إدراجه تحت ما يليق به من مسميات. الجسد لا شيء غير الجسد يمارس العهر».
تؤسس سلمى حداد بمهارة فائقة البناء على هذا وتسعى إلى تشريحه وتعريته، ونفض الغبار عن كل ما علق، عالم من رياء لا يستره أي مال، ولا مساحيق، وحتى حب بيدرو في البرازيل تكشف أنه مزيف، لا نهاية له إلا الفراق والبحث عن المختلف والحقيقي في الحياة، الحياة بطيفها الواسع الحقيقي، لا المخبوءة وراء مظاهر تدفع بالأم إلى عوالم غير حياتها الحقيقية، حتى إهمال طفلتها وتبدو العداوة الأبدية بين امرأة متصابية، وشابة لم تشعر ابداً بحنان الأم، فتاهت كثيراً قبل أن تستقر في بحر حنان المربية.
جديد سلمى حداد ديوان شعر سوف يصدر قريباً بدمشق تحت عنوان «أتجاذب معك أطراف الحريق» ومنه نقتطف:
طفوتُ فوق جسدي القريب أراقب ذاتي البعيدة..
مساحاتٌ فارغاتٌ تؤوي أبناءَ صمتٍ مبحوح
وصناديقُ بريدٍ تاه في ريقها صمغُ الرسائل،
الهواء ساخنٌ ساخنْ..
سأخلع خوفي قبل أن يخبزني،
أرى قلباً شقّه العطشُ
يجثو على ركبتين من ماء
أقتربُ منه بحذر وأغض الطرف
هو عارٍ..
عارٍ كما ولدته أمه الصحراء
ماذا تفعل يا قلب وحيداً هناك على درب التبانة؟
التاريخ: الثلاثاء28-4-2020
رقم العدد : 996