الملحق الثقافي:هنادة الحصري :
للأسف إن ثقافة العنف تسيطر على عقولنا دون أن نشعر، لأن الثقافة السائدة تظهر لغة حضارية بامتياز تستنكر العنف، ولكنها في الوقت ذاته تغذيه على كافة الصعد الحياتية.
إن ما يحدث على الصعيد الإنساني شيء مقزز لا يقبله الضمير الإنساني الحي، وهذا العنف المدفوع ثمنه مثله في ذلك مثل الأحمق الذي سأله الجاحظ فقال له يا غلام: أيرضيك أن يكون لك مائة ألف دينار وتكون أحمق؟ قال: لا والله يا عماه، قال له الجاحظ: ويلك يا غلام ولم؟ قال: يا عماه أضيع الدنانير وأبقى أحمق.
أبحث عن كلمة بحجم الكون، أحكي بها عن بلدي الذي يواجه عدواناً إرهابياً:
دمشق يا مدينتي العتيدة العصية على الانهزام. دمشق يا من حبست في قمقمك الياسميني. دمشق أيتها المكتوبة في جبين الحق بأنك مهد الأنبياء ورسالاتهم. يا الله يا دمشق نسافر وتبقين في أنفاسنا. دمشق مدينتي ذات العطر السحري تزينها طرابين الحضارة. دمشق أحيا توحداً وإياك. أيتها النجمة، الياقوتة الشامخة، المعطرة بالكبرياء
هل يقرأ أحد وجعك؟ لم أعد أملك خيوطاً أرفع فيها هذا الليل.
يقال إنه في دورة زمان واحد يتحول النهار إلى ليل والليل إلى نهار. تراني أحلم بألا ينظر إلى الغرب بدهشة وإعجاب مقرونين؟ وإلى متى سيظلون يجتاحون عالمنا دون احترام لسيادتنا ويحاولون فرض أوامرهم وأيديولوجياتهم وكأننا رقم في ذاكرة العالم؟ لا، لسنا هكذا ولن نكون. ولذا دمشق في مرمى نارهم وجنونهم. سورية التاريخ وعشرة آلاف عام من الحضارة والفعل والخصب، ستبقى البهية الشامخة، سيبقى قاسيونها طوداً أشم، ولن يعبر الغزاة، لن يعبروا، هم دعاة حضارة وكذب ونفاق. وكم أشعر بغصة حين أتذكر قول المفكر الفرنسي روجيه غارودي: “لست فخوراً بانتمائي إلى هذا العصر، وأخجل من توصيفي بالمثقف الفرنسي اليساري، ويؤسفني أن أغادر هذا العالم قريباً وأنا متخم بخيبة الأمل”.
خجلى أنا، لأنه وكما قال بروكنز: “الشكوى هي أضعف أشكال الكلام”.
رحل غارودي، وهو يحلم بالانتصار على الخيبات. نم قرير العين، سورية تنتصر على وحوش الحضارة، وتعيد للكون بهاءه معطراً بدم شهدائنا.
التاريخ: الثلاثاء19-5-2020
رقم العدد :999